العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٠٦
والاحتمال والدفع، وهم جميع، لكان ذل من أقام ووحشته أقل، ونفوسهم أطيب.
والدليل على فضيلة مقام أبى بكر على ظعنهم أنهم حيث هاجروا ونزلوا بالنجاشي والأنصار فنزلوا بأكرم منزول به، فكانوا في ذراه آمنين، رافهين وادعين، إلا ما كان من قصة جعفر، وسعاية عمرو.
وإحماش النجاشي وتهييجه (1). فما كان ذاك إلا صدر نهار حتى جعل الله العاقبة للمتقين. وأبو بكر والنبي من الوحدة والقلة، والجفوة والوحشة، وخفة ذات اليد، والسب والإهانة، والخوف بالقدر الذي لا يأتي عليه قول وإن كثر، ولا يبلغه وهم وإن اتسع.
وهكذا روينا عن الضحاك وقتادة وأبى بكر الهذلي في تأويل هذه الآية: أن الله عاتب جميع المؤمنين بها غير أبى بكر. ولو لم يكن رواية (2) ولم يفسر ذلك صاحب تأويل، لم يجز أن يكون تأويله غير الذي قلنا، للذي شرحنا وفصلنا.
ولو كانت هذه المخاطبة وقعت على الخاذلين والعادين، أو على الخاذلين دون العادين والمؤمنين، لقد كان لأبي بكر في الآية ما ليس لأحد، فكيف بها

(1) أما جعفر بن أبي طالب، فكان سببا في إسلام النجاشي حين أبان له حقيقة الدين وشرح له ما يدعو إليه، وأما عمرو بن العاص - وهو أحد رجلين كانت قريش أرسلتهما إلى النجاشي ليرد عليهم المؤمنين المهاجرين ليفتنوهم كما فتنوهم من قبل. والآخر هو عبد الله ابن أبي ربيعة - فإنه سعى سعيا حثيثا لدى النجاشي في ذلك، وحاول أن يفسد نجاحهما في دعوة النجاشي إلى الدين، وكان مما قاله في تهييج النجاشي: " أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما " ولكنه أخفق في ذلك وتم إسلام النجاشي، السيرة 215 - 225.
(2) في الأصل: " ولم كان يكن " مع خط على " كان ".
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»