العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٠٧
إن كانت في المهاجرين. لان في قوله " ثاني اثنين " معنى عظيما، وفى قوله:
" فأنزل الله سكينته " معنى عظيم.
فإن قالوا: كل ما عظمتم فعظيم، ولكن بعضه لا يجوز إلا للنبي صلى الله عليه دون أبى بكر. وهو قوله: " فأنزل الله سكينته عليه ".
قيل لهم: استكرهتم التأويل، وصرفتم الكلام عن سننه، وغير تأويلكم أشبه بكلام العرب، وأظهر في بيان الخطباء، ومراجعة الحكماء. وذلك أن النبي صلى الله عليه كان هو الرابط الجأش، الثابت الجنان، الساكن النفس، وهو المعزى لأبي بكر، والمسهل عليه شدة حزنه، والمطيب لنفسه، والمسكن لحركة قلبه، للذي (1) رأى وعاين من اكتراثه ومن اضطرابه، وقلة سكينته، وهذه الحال التي فيها قلب النبي صلى الله عليه وخليفته، وأبو بكر على ما وصفنا وفرقنا، هي الفاصلة بين النبي صلى الله عليه وبين خليفته، إذ كان الخليفة قد شارك النبي صلى الله عليه في حضوره واحتماله، وبان منه النبي صلى الله عليه بشدة عزمه وسعة صدره، وسكون قلبه، كالفصل الذي بين الخليفة وولى عهده.
وكذلك (2) تعجل عمر الهجرة قبل أبى بكر، فكان بذلك أنقص فضلا منه. وتأخر بعد المهاجرين، فكان بذلك أتم فضلا منهم.
(* وفى قول الله: " إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه " دليل على أن السكينة نزلت على صاحبه، وأن الهاء التي في " عليه " مضمر فيها صاحبه. ولا يشبه أن تكون

(1) في الأصل: " الذي ".
(2) في الأصل: " ولذلك ".
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»