واحصلهم في قلعة أبي وأفك أسرهم وأملك بهم القلعة إن شاء الله تعالى فقال لها عياض لقد وفقك الله في كل حال وصرف وجهك عن المحال ولقد صعب علي أسر أصحابي ولكن قد طاب قلبي بما قلت من الصواب فدعي ولدك عندنا وارجعي إلى أبيك فإذا رأيتيه فقولي له قد تمت حيلتك علينا فإذا حصلت عند أصحابنا فافعلي ما فيه الصلاح فقالت السمع والطاعة ثم ودعت زوجها أي ولدها والمسلمين وسارت من ليلتها إلى ماردين فوجدت أباها قد نزل إلى خدمة الملك إلى مرج رغبان ووجدت الحاجب الذي كانت معه الاسرى قد أوصلهم إلى قلعة أبيها وتركهم تحت قبضته وكان هذا الحاجب من عقلاء الناس ممن قرأ التوراة والإنجيل والزبور وكان راهبا في مبدأ أمره وكانت له صومعة على عمود رخام قائم طويل وصنع على رأس العمود قائمة عظيمة وعقد عليها قبة وكان يصعد إليها بسلم إبريسم معلق بأعلى القبة وله سكتان في الأرض فإذا حصل في القبة انتزع السكتين وأخذ السلم اليه فشاع خبره ونما ذكره بالعبادة والرهبانية فلما توجه إلى بلادهم وفتحت الخابور صلحا اجتمع حول ذلك العمود أمم وقالوا يا ابانا ما الذي تشير به علينا فان العرب قد توجهت الينا وقد فتحوا الشام وأكثر العراق وحصلوا في أرضنا فما الذي نصنع قال فاطلع عليهم من القبة وقال يا معاشر النصرانية ما زالت النعم عليكم ظاهرة وباطنة مطمئنين في البلاد وقد ذلت لكم رقاب العباد نصركم المسيح على سائر الأمم ورد عنكم سائر الغمم ومهد لكم الأرض في الطول والعرض إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتردون المظالم إلى أهلها وتحكمون بالحق وتتبعون شريعتكم وتزجرون أنفسكم عن أكل الحرام واتباع الزنا فلما غيرتم غير بكم وفي إنجيل يحيى وإنجيل مرقص مكتوب من اتبع سنن الحق وعود لسانه طريق الصدق وفعل بأوامر ربه وألزم نفسه بما يعنيه ولم يبخس الناس أشياءهم وداوم على صلاته وعمل بأوامر شريعته ولم يتبع هواه بلغه زهده ما تمناه ومن جار وبغى وظلم وتجبر وحاد عن طريق الحق كان فناؤه عاجلا ولنفسه بيده قاتلا وخربت داره ونفد ادخاره وكان الخوف شعاره والجحيم دثاره وفي التوراة مكتوب لا تظملوا انه لا يحب الظالمين وقد بلغني أن في القرآن مكتوبا * (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) * فأصلحوا ذات بينكم واجعلوا تقوى الله نصب عيونكم وقاتلوا عن أهلكم وحريمكم واتبعوا شريعة نبيكم وأخرجوا إلى جهاد عدوكم فان الجهاد اليوم أفضل من جميع العبادات المأمور بها فإنه من جاهد أعداه كانت الجنة مأواه ألا واني نازل إلى صومعتي هذه فلا
(١٢٤)