فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ١٢٣
لبعض وما يرغب في ذلك الا الجبابرة من ملوك الأرض وان الله يقول العظمة ردائي والكبرياء إزاري فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي ومارية تفهم ما يقوله فلما انتهى قالت أيها الملك ان الله بهذا نصركم علينا قال لها فمن أنت قالت أنا مارية بنت أرسوس بن جارس صاحب ماردين وأن الذي بأيديكم أسيرا هو بعلي ولا صبر عليه وهو عمودا فلما كثرت فكرتي فيه واشتد شوقي إليه رأيت المسيح في نومي والحواريين وقد أمرني باتباعكم وقد أتيت إليكم بهذه النية بأن اتبع دينكم وأسلم لكم القلعتين فلعتي وقلعة أبي على شرط أن تبقوني في قلعتي ولا تغيروا من أمري شيئا وأقيم أنا وبعلي فيها وأكون الحاكمة على أهل بلدي قال فتبسم عياض من قولها وقال يا مارية أما انك ما أتيت الينا الا لتنصبين علينا بسبب بعلك وكيف يكون هذا بعلك وهو ولدك وحديثه كذا وكذا قال فلما سمعت الجارية الحديث من عياض بن غنم امتقع لونها وتغير كونها وقالت له يا سيدي ومن اين لك هذا وان عمودا ولدي وهو ولد الملك شهرياض قال لها رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة وحدثني بذلك كله فقالت اني أريد أن أراه فإن كان ولدي فان لي فيه علامة فأمر عياض بن غنم بحضوره فأتى به سعيد بن زيد فلما نظرت اليه ووقعت عينها عليه ورأت الشامة التي على خده وزيادة اذنه ورأت عصابتها وما فيها من الجواهر صاحت صيحة عظيمة أذهلت من حضر وترامت عليه والتزمته وقالت ولدي لا شك فيه وقد صدق محمد صلى الله عليه وسلم في قوله قال ونظر الغلام إلى أمه فتحرك الدم في بدنه فغشي عليه من البكاء فلما أفاق بكى بكاء شديدا هو وأمه فلما سكتا قال لهما عياض قد وجب عليكما أن توحدا الله شكرا على ما أنعم عليكما فإنه يزيد الشاكرين ورحمته قريب من المحسنين ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ليس له حد ولا قبل ولا بعد هو الأول وعليه المعول وهو الآخر وله المفاخر قال فلما سمع عمودا ما قاله عياض قال والله ما في قولك زور ولا محال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال فلما نظرت مارية أمه اليه وقد أسلم وافقته في الحال وعرجت عن طريق المحال وشهدت لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة فقال عياض بن غنم ومن حضر من المسلمين تقبل الله منكما اسلامكما ووفقكما واعلما أن الله قد طهر قلوبكما وغفر ذنوبكما فاستأنفا العمل ولكن كيف السبيل إلى هذه القلعة المنيعة فقالت ابشر فان أصحابكم أسروا عند حران وقد وجههم شهرياض إلي لأفدي بهم منكم هذا الغلام عمودا وقد سيرتهم إلى قلعتي وها أنا أسير إليهم
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»