قال الواقدي فلما سمع القوم ذلك بكوا وقالوا نقتل عن آخرنا ولا يصل الينا هؤلاء القوم وانا نرى أن نقاتلهم بالرماح قال فلما سمع وردان ذلك منهم صاح بالبطارقة وقال لهم ما عندكم من الرأي فقال رجل منهم يا وردان اعلم انك قد بليت بقوم لا تقوم لقتالهم وقد رأيت الواحد منهم يحمل على عسكرنا ولا يبالي من أحد ولا يرجع حتى يقتل منهم وقد قال لهم نبيهم ان من قتل منكم صار إلى الجنة ومن قتل من الروم صار إلى النار والموت والحياة عندهم سواء وما أرى لكم من القوم مطمعا الا أن نتحيل على صاحبهم فنقتله فان قتلتموه ينهزم القوم وانك لا تصل اليه الا بحيلة توقعه فيها فقال وردان واي حيلة ندخل بها على القوم والحيل والخداع والمكر منهم فقال له البطريق أنا أقول لك شيئا ان صنعته وصلت به إلى أمير العرب من حيث لا يصل إليك شيء ولا اذى وذلك أنك تنتخب عشرة من الفرسان من ذوي الشدة والبأس ويكمنون في مكمن من جهة العسكر قبل خروجك اليه وبعد ذلك تخرج اليه وتشاغله بالحديث ثم اهجم عليه وأخرج قومك يبادرون من المكمن ويقطعونه اربا اربا وتستريح منه وبعد ذلك تتفرق أصحابه ولا يجتمع منهم أحد قال فلما سمع وردان ذلك من البطريق فرح فرحا عظيما وقال ما هذا الا رأي سديد فنعم ما أشرت به وقد أصبت فيما ذكرت غير أن هذا الامر يعمل في جنح الليل ولا يأتي الصباح الا وقد فرغنا مما نريد ثم إن وردان دعا برجل من العرب المتنصرة اسمه داود وكان في سكنه وقال له يا داود أنا أعلم انك فصيح اللسان واني أريد ان تخرج إلى هؤلاء العرب وتسألهم ان يقطعوا الحرب بيننا وبينهم وقل لهم لا يخرجون لنا بكرة النهار حتى أخرج بنفسي إليهم منفردا عن قومي ولعلنا نصطلح مع العرب فقال داود ويحك وتخالف أمر الملك هرقل فيما أمرك به من الحرب وتصطلح أنت والعرب فان الملك ينسبك إلى الجزع والفزع وما كنت بالذي أخاطب العرب في ذلك أبدا فيبلغ الملك اني كنت السبب في ذلك فيقتلني فقال له وردان يا ويلك انما دبرت حيلة على أمير العرب حتى أصل اليه بها فأقتله وتتفرق هؤلاء العرب عنا ثم إنه حدثه بما عزم عليه من المكر بخالد بن الوليد فقال لوردان ان الباغي مخذول في كل فعل فالق الجمع بالجمع واترك ما عزمت عليه فقال وردان وقد غضب ويلك أنت تعاندني فيما أمرتك به دع عنك المحاججة فقال حبا وكرامة ثم إنه مضى وقال في نفسه ان وردان قد عزم ان يلحق بولده ثم اقبل حتى أنه وقف قريبا من المسلمين ونادى برفيع صوته وقال يا معاشر العرب حسبكم من القتل وسفك الدماء فان الله تعالى يسألكم عن سفكها
(٦٢)