فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٥٧
بعد فارس إلى أن صرع منهم تسعة عشر فارسا فلما رأوا ذلك وقرب هو من جيوش الروم لوى راجعا إلى خالد ومعه اسلابهم وخيولهم وأعلمه بما كان فقال له خالد ألم أقل لك لا تغرر بنفسك ولا تحمل عليهم فقال ان القوم طلبوني فخفت ان يراني الله منهزما فجاهدت باخلاص ولا جرم أن الله ينصرنا عليهم والله لولا خوفي من ملامك لاحملن على الجميع واعلم أن القوم غنيمة لنا قال فرتب خالد عسكره ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين فجعل في القلب معاذ بن جبل وفي الميمنة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وفي الميسرة سعيد بن عامر وفي الجناح الأيسر شرحبيل بن حسنة وفي الساقة يزيد بن أبي سفيان في أربعة آلاف فارس حول الحريم والبنات والأولاد ثم التفت إلى النسوة وهن عفراء بنت غفار الحميرية وأم أبان ابنة عتبه وكانت عروسا قد تزوج بها في هذا اليوم أبان بن سعيد ابن العاص والخضاب في يدها والعطر في رأسها وخولة بنت الأزور ومزروعة بنت عملوق وسلمة بنت زارع وغيرهن من النسوة ممن عرفن الشجاعة والبراعة نصيحة خالد فقال لهن خالد يا بنات العمالقة وبقية التبابعة قد فعلتن فعلا أرضيتن به الله تعالى والمسلمين وقد بقي لكن الذكر الجميل وهذه أبواب الجنة قد فتحت لكن وأبواب النار قد أغلقت عنكن وفتحت لاعدائكن واعلمن اني أثق بكن فان حملت طائفة من الروم عليكن فقاتلن عن أنفسكن وان رايتن أحدا من المسلمين قد ولى هاربا فدونكن وإياه بالاعمدة وارمين بولده وقلن له اين تولى عن أهلك ومالك وولدك وحريمك فإنكن ترضين بذلك الله تعالى فقالت عفراء بنت غفار أيها الأمير والله لا يفرحنا الا أن نموت أمامك فلنضربن وجوه الروم ولنقاتلن إلى أن لا تبقى لنا عين تطرف والله مانبالي إذا رمينا الروم كله قال فجزاهن خيرا ثم عاد إلى الصفوف فجعل يطوف بينهم بفرسه ويحرض الناس على القتال وهو ينادي برفيع صوته يا معاشر المسلمين انصروا الله ينصركم وقاتلوا في سبيل الله واحتسبوا نفوسكم في سبيل الله ولا تحملوا حتى آمركم بالحملة ولتكن السهام إذا خرجت من أكباد القسي كأنها من قوس واحدة فإذا تلاصقت السهام رشقا كالجراد لم يخل أن يكون منها سهم صائب * (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) * واعلموا أنكم لم تلقوا بعد هذا عدوا مثله وان هذه الفئة جملتهم وأبطالهم وملوكهم فجردوا السيوف وأوتروا القسي وفوقوا السهام ثم إن خالدا أقبل ووقف في القلب مع عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر قيس بن هبيرة ورافع بن عميرة وذى الكلاع الحميري وربيعة بن عامر ونظائرهم قال فلما نظر ودان إلى
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»