جيش المسلمين قد زحف زحفوا وكانوا ملء تلك الأرض في الطول والعرض من كثرتهم فترامى الجمعان وتلاقى الفريقان وقد اظهر أعداء الله الصلبان والاعلام ورفع المسلمون أصواتهم بالتهليل والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير فلما قرب القوم بعضهم من بعض خرج من علوج الروم شيخ كبير وعليه قلنسوة سوداء فلما قرب من المسلمين نادى بلسان عربي أيكم المقدم فليخاطبني وليخرج إلي وعليه أمان قال فخرج اليه خالد بن الوليد فقال له القس أنت أمير القوم فقال خالد كذلك يزعمون ما دمت على طاعة الله وسنة رسوله وان أنا غيرت أو بدلت فلا امارة لي عليهم ولا طاعة قال القس بهذا نصرتم علينا ثم قال اعلم انك توسطت بلادا ما جسر ملك من الملوك أن يتعرض لها ولا يدخلها وان الفرس دخلوها ورجعوا خائبين وان التبابعة أتوها وأفنوا أنفسهم عليها وما بلغوا ما أرادوا ولكنكم أنتم نصرتم علينا وان النصر لا يدوم لكم وصاحبي وردان قد اشفق عليكم وقد بعثني إليكم وقال إنه يعطي كل واحد منكم دينار وثوبا وعمامة ولك أنت مائة دينار ومائة ثوب ومائة عمامة وارحل عنا بجيشكم فان جيشنا على عدد الذر ولا تظن ان هؤلاء مثل من لقيت من جموعنا فان الملك ما انفذ في هذا الجيش الا عظماء البطارقة والأساقفة قال خالد والله ما نرجع الا بإحدى ثلاث خصال اما ان تدخلوا في ديننا أو تؤدوا الجزية أو القتال وأما ما ذكرت من أنكم عدد الذر فان الله تعالى قد وعدنا النصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل ذلك في كتابه العزيز وأما ما ذكرت من أن صاحبكم يعطي كل واحد منا دينارا وعمامة وثوبا فعن قريب إن شاء الله نرى ثيابكم وبلادكم وعمائمكم كل ذلك في ملكنا وبأيدينا فقال الراهب اني راجع إلى صاحبي أخبره بجوابك ثم لوى راجعا وأخبر وردان بما كان من جواب خالد فقال وردان أيظن أننا مثل من لقيه من قبل وانما هؤلاء لحقهم الطمع إذ تقاصرنا عن قتالهم والملك قد أرسل إليهم أكابر البطارقة وما بيننا وبينهم الا جولة الجائل ثم نتركهم صرعى ثم رتب أصحابه وزحف وقدم أمامه الرجالة صفا أمام القوم والخيالة وبأيديهم المزازيق والقسي قال فصاح معاذ بن جبل معاشر الناس ان الجنة قد زخرفت لكم والنار قد فتحت لأعدائكم والملائكة عليكم قد أقبلت والحور العين قد تزينت للقائكم فأبشروا بالجنة السرمدية ثم قرأ ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة بارك الله فيكم الحملة فقال خالد مهلا يا معاذ حتى أوصي الناس ومشي في الصفوف ورتبها وقال اعلموا ان هؤلاء أضعافكم فطاولوهم إلى وقت العصر
(٥٨)