فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٤٦
وكلما لحقت به الروم لوى عليهم وجندل فعند ذلك حمل خالد ومن معه ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسلمين قال فتأملوه فرأوه قد تخصب بالدماء فصاح خالد والمسلمون لله درك من فارس بذل مهجته في سبيل الله وأظهر على الأعداء اكشف لنا عن لثامك قال فمال عنهم ولم يخاطبهم وانغمس في الروم فتصايحت به الروم من كل جانب وكذلك المسلمون وقالوا أيها الرجل الكريم أميرك يخاطبك وأنت تعرض عنه اكشف عن اسمك وحسبك لتزداد تعظيما فلم يرد عليهم جوابا فلما بعد عن خالد سار اليه بنفسه وقال له ويحك لقد شغلت قلوب الناس وقلبي بفعلك من أنت قال فلما لج عليه خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث وقال انني يا أمير لم أعرض عنك الا حياء منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور وانما حملني على ذلك اني محرقة الكبد زائدة الكمد فقال لها من أنت قالت أنا خولة بنت الأزور المأسور بيد المشركين أخي وهو ضرار واني كنت مع بنات العرب وقد اتاني الساعي بأن ضرار أسير فركبت وفعلت ما فعلت قال خالد نحمل بأجمعنا ونرجو من الله ان نصل إلى أخيك فنفكه قال عامر بن الطفيل كنت عن يمين خالد بن الوليد حين حملوا وحملت خولة أمامه وحمل المسلمون وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت الأزور وقالوا ان كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم من طاقة ولما حمل خالد ومن معه إذا بالروم قد اضطربت جيوشهم ونظر وردان إليهم فقال لهم اثبتوا للقوم فإذا رأوا ثباتكم ولوا عنكم ويخرج أهل دمشق يعنونكم على قتالهم قال فثبت المسلمون لقتال الروم وحمل خالد بالناس حملة منكرة وفرق القوم يمينا وشمالا وقصد خالد مكان صاحبهم وردان عند اشتباك الاعلام والصلبان وإذا حوله أصحاب الحديد والزرد النضيد وهم محدقون به فحمل خالد عليهم حملة منكرة واشتبك المسلمون بقتال الروم وكل فرقة مشغولة بقتال صاحبها وأما خولة بنت الأزور فإنها جعلت تجول يمينا وشمالا وهي لا تطلب الا أخاها وهي لا ترى له اثرا ولا وقفت له على خبر إلى وقت الظهر وافترق القوم بعضهم عن بعض وقد أظهر الله المسلمين على الكافرين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة قال وتراجعت كل فرقة إلى مكانها وقد كمدت أفئدة الروم ما ظهر لهم من المسلمين وقد هموا بالهزيمة وما يمسكهم الا الخوف من صاحبهم وردان فلما رجع القوم إلى مكانهم أقبلت خولة بنت الأزور على المسلمين وجعلت تسألهم رجلا رجلا عن أخيها فلم تر من المسلمين من يخبرهما انه نظره أو رآه أسيرا أو قتيلا فلما يئست منه بكت بكاءا شديدا
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»