فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٤٣
فلما نظر إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لضرار أما والله ان هذا الجيش عرمرم والصواب أننا نرجع فقال ضرار والله لا زلت أضرب بسيفي في سبيل الله واتبع من أناب إلى الله ولا يراني الله مهزوما ولا أولى الدبر لان الله تعالى يقول * (فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) * وتكلم رافع بن عميرة الطائي وقال يا قوم وما الخيفة من هؤلاء العلوج أما نصركم الله في مواطن كثيرة والنصر مقرون مع الصبر ولم تزل طائفتنا تلقى الجموع الكثيرة والجموع اليسيرة فاتبعوا سبيل المؤمنين وتضرعوا إلى رب العالمين وقولوا كما قال قوم طالوت عند لقائهم جالوت ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فلما سمع ضرار كلامهم وأنهم اشتروا الآخرة على الأولى كمن بهم عند بيت لهيا وأخفى أمره وجلس عاري الجسد بسراويله على فرس له عربي بغير سلاح وبيده قناة كاملة الطول وهو يوصي القوم قال الواقدي هكذا حدثني تميم بن أوس عن جده عمرو بن دارم قال كنت يوم بيت لهيا ممن صحب ضرار بن الأزور رضي الله عنه وهو بهذه الصفة رغبة منه في الشهادة فلما قارب العدو كان أول من برز وكبر ضرار بن الأزور قبل فأجابه المسلمون بتكبيرة واحدة رعبت منها قلوب المشركين وفاجئوهم بالحملة ونظروا إلى ضرار بن الأزور وهو في أول القوم وهو في حالته التي وصفناها فهالهم أمره وكان وردان في المقدمة والاعلام والصلبان مشتبكة على رأسه قال فما طلب ضرار غيره لأنه علم أنه صاحبهم فحمل عليه غير مكترث به وطعن فارسا كان في يده العلم فتجندل من على فرسه قتيلا ثم إنه طعن اخر في الميمنة فارداه وحمل يريد القلب وكان قد عاين وردان والصليب على رأسه يحمله فارس من الروم والجواهر تلمع من أربع جوانبه فعارضه ضرار وطعن حامله طعنة عظيمة فخرج السنان يلمع من خاصرته قال فسقط الصليب منكسا إلى الأرض فلما نظر وردان إلى الصليب أيقن بالهلاك وهم ان يترجل لاخذه أو يميل في ركابه ليأخذه فلما وجد لذلك سبيلا لما قد أحدق به وترجل عليه قوم من المسلمين ليأخذوه وقد اشتغل كل عن نفسه ونظر ضرار إلى من ترجل لاخذ الصليب فقال معاشر المسلمين ان الصليب لي دونكم وأنا صاحبه فلا تطمعوا فاني اليه راجع إذا فرغت من كلب الروم قال فسمع ذلك وردان وكان يعرف العربية فعطف من القلب يريد الهرب فقالت البطارقة إلى أين أيها السيد أتفر من الشيطان فما رأينا أدنى من منظره ولا أهول من مخبره ونظر اليه ضرار وقد عطف راجعا فعلم
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»