أنه قد عزم على الهرب فصاح بقومه ثم اقتحم في أثره ومد رمحه وهمز جواده فتصارخت به الروم وعطفت عليه المواكب من كل جانب فأنشد يقول * الموت حق أين لي منه المفر * وجنة الفردوس خير المستقر * * هذا قتالي فاشهدوا يا من حضر * وكل هذا في رضا رب البشر * ثم اخترق القوم وحمل عليهم وحمل المسلمون في أثره فاحدقوا بهم من كل مكان ونظروا إلى ضرار وقد قصده وردان صاحب حمص عندما علم أنه اخترق القوم فمد اليه رمحه وقد أحدقت به بطارقته وضرار يمانع عن نفسه يمينا وشمالا فما طعن أحدا الا اباده إلى أن قتل من القوم خلقا كثيرا وهو يصرخ بقومه ويقول * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * قال اكتب عليه جيوش الروم من كل جانب ومكان واشتعل الحرب بينهم ووصل همدان بن وردان إلى ضرار بن الأزور ورماه بسهم فأصاب عضده الأيمن فوصل السهم اليه فأوهنه وأحسن ضرار بالألم فحمل على همدان وصمم عليه برمحه وطعنه فأصاب بالطعنة فواده فوصل السنان إلى ظهره فجذب الرمح منه فلم يخرج وإذا به قد اشتبك في عظم ظهره فخرج الرمح من غير سنان فطمعوا فيه وحملوا عليه وأخذوه أسيرا فنظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ضرار وهو أسير فعظم الامر عليهم وقاتلوا قتالا شديدا ليخلصوه فما وجدوا إلى ذلك سبيلا وأرادوا الهرب فقال رافع بن عميرة الطائي يا أهل القرآن إلى أين تريدون أما علمتم ان من ولى ظهره لعدوه فقد باء بغضب من الله وان الجنة لها أبواب لا تفتح الا للمجاهدين الصبر الصبر الجنة الجنة يا أهل الكتاب كروا على الكفار عباد الصلبان وها أنا معكم في أوائلكم فإن كان صاحبكم أسر أو قتل فان الله حي لا يموت وهو يراكم بعينه التي لا تنام فرجعوا وحملوا معه قال ووصل الخبر إلى خالد ان ضرار قد أسر بيد الروم وانه قتل من الروم خلقا كثيرا فعظم ذلك على خالد وقال في كم العدو قالوا اثني عشر الف فارس فقال والله ما ظننت الا أنهم في عدد يسير ولقد غررت بقومي ثم سأل عن مقدمهم من يكون فقيل وردان صاحب حمص وقد قتل ضرار ولده همدان فقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم ارسل إلى أبي عبيدة يستشيره فبعث اليه أبو عبيدة يقول له اترك على الباب الشرقي من تثق به وسر إليهم فإنك تطحنهم بإذن الله تعالى فلما وصل الجواب إلى خالد قال والله ما أنا ممن يبخل بنفسه في سبيل الله ثم أوقف بالمكان ميسرة بن مسروق العبسي رضي الله عنه ومعه الف فارس وقال له
(٤٤)