احذر أن تنقذ من مكانك فقال ميسرة حبا وكرامة وعطف خالد بالناس وقال له أطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة فإذا أشرفتم على العدو فاحملوا حملة واحدة ليخلص فيها ضرار إن شاء الله تعالى ان كانوا أبقوا عليه والله ان كانوا عجلوا عليه لنأخذن بثأره ان شاء تعالى وأرجو أن لا يفجعنا به ثم تقدم امام القوم وجعل يقول * اليوم يوم فاز فيه من صدق * لا ارهب الموت إذا الموت طرق * لاروين الرمح من ذوي الحدق * لاهتكن البيض هتكا والدرق * عسى أرى غدا مقام من صدق * في جنة الخلد والقى من سبق * خولة بن الأزور فبينما خالد يترنم بهذه الأبيات إذ نظر إلى فارس على فرس طويل وبيده رمح طويل وهو لا يبين منه الا الحدق والفروسية تلوح من شمائله وعليه ثياب سود وقد تظاهر بها من فوق لامته وقد خرم وسطه بعمامة خضراء وسحبها على صدره ومن ورائه وقد سبق امام الناس كأنه نار فلما نظره خالد قال ليت شعري من هذا الفارس وأيم الله انه لفارس شجاع ثم اتبعه خالد والناس وكان هذا الفارس اسبق الناس المشاركين قال وكان رافع بن عميرة الطائي رضي الله عنه في قتال المشركين وقد صبر لهم هو ومن معه إذ نظر خالدا وقد أنجده هو ومن معه من المسلمين ونظر إلى الفارس الذي وصفناه وقد حمل على عساكر الروم كأنه النار المحرقة فزعزع كتائبهم وحطم مواكبهم ثم غاب في وسطهم فما كانت الا جولة الجائل حتى خرج وسنانه ملطخ بالدماء من الروم وقد قتل رجالا وجندل أبطالا وقد عرض نفسه للهلاك ثم اخترق القوم غير مكترث بهم ولا خائف وعطف على كراديس الروم في الناس وكثر قلقهم عليه فأما رافع بن عميرة ومن معه فما ظنوا الا انه خالد وقالوا ما هذه الحملات الا لخالد فهم على ذلك إذ أشرف عليهم رضي الله عنه وهو في كبكة من الخيل فقال رافع بن عميرة من الفارس الذي تقدم أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته فقال خالد والله انني أشد انكارا منكم له ولقد أعجبني ما ظهر منه ومن شمائله فقال رافع أيها الأمير انه منغمس في عسكر الروم يطعن يمينا وشمالا فقال خالد معاشر المسلمين احملوا بأجمعكم وساعدوا المحامي عن دين الله قال فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة والتصق بعضهم ببعض وخالد أمامهم إذ نظر إلى الفارس وقد خرج من القلب كأنه شعلة نار والخيل في أثره
(٤٥)