فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٨٥
ورماحنا من المتنصرة وجرى الحرب بما لا يوصف وضرار فيهم كأنه النار في الحطب اليابس وجبلة بن الأيهم يتعجب من حملاته وضرباته فأمر قومه ان يقصدوا جواده بسهامهم ففعلوا ذلك فانصرع الجواد ووقع ضرار فتكاثروا عليه وأخذوه أسيرا وأخذوا بقية أصحابه وساروا يريدون أنطاكية فالتقوا بيوقنا وابنة الملك كما ذكرنا قال الواقدي ولقد حدثني معمر بن رواحة عن القاسم عن خزامة بن عمرو وعن أبي المنذر أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حرب ضرار بن الأزور أسيرا فلما كان الليل انطلق هاربا يلتمس الوصول إلى أبي عبيدة فإذا هو بأسد عارضه فقال سفينة يا ابا الحرث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أمري كيت وكيت فقرب منه وهو يبصبص بذنبه حتى وقف إلى جانبه وأشار اليه برأسه 8 أن سر فسرت وهو إلى جانبي حتى أتى بي إلى بلد من صلحنا فتركني ومضى قال الواقدي فلما وصل سفينة الجيش حدث الناس باسر ضرار ومن معه فصعب ذلك على المسلمين وبكى أبو عبيدة وخالد بن الوليد على أسرهم وقالا لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وبلغ ذلك أخته خولة فقالت أنا لله وأنا اليه راجعون يا بن أمي ليت شعري في السلاسل أوثقوك أم بالحديد قيدوك أم في البيداء طرحوك أم بدمائك خضبوك وأنشدت تقول * الا مخبر بعد الفراق يخبرنا * فمن ذا الذي يا قوم اشغلكم عنا * فلو كنت أدري انه آخر اللقا * لكنا وقفنا للوداع وودعنا * الا يا غراب البين هل أنت مخبري * فهل بقدوم الغائبين تبشرنا * لقد كانت الأيام تزهو لقربهم * وكنا بهم نزهو وكانوا كما كنا * الا قاتل النوى ما أمره واقبحه ماذا يريد النوى منا * ذكرت ليالي الجمع كنا سوية * فقرقنا ريب الزمان وشتتنا * لئن رجعوا يوما إلى دار عزهم * لئمنا خفافا للمطايا وقبلنا * ولم انس إذ قالوا ضرار مقيد * تركناه في دار العدو ويممنا * فما هذه الأيام الا معارة * وما نحن الا مثل لفظ بلا معنى * أرى القلب لا يختار في الناس غيرهم * إذ ما ذكرهم ذاكر قلبي المضنى * سلام على الأحباب في كل ساعة * وان بعدوا عنا وان منعوا منا * قال الواقدي ولقد بلغني عن واصل بن عوف أنه قال اجتمعت النساء من العربيات ممن كان لهم أسير مع ضرار عند خولة ومن جملتهم مزروعة بنت عملوق الحيرية وكانت من فصحاء زمانها وكان ولدها صابر بن أوس فيمن أسر مع ضرار فجعلت تندب ولدها وتقول * أيا ولدي قد زاد قلبي تلهبا * وقد أحرقت مني الخدود المدامع * وقد أضرمت نار المصيبة شعلة * وقد حميت مني الحشا والاضالع *
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»