فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٨٤
وكان معهم سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل ضرار سائرا هو ومن معه ومعهم رجال من المعاهدين يدلونهم على الطرق حتى وصلوا إلى مرج دابق وكان وقت السحر فقال لهم المعاهد ارفقوا على خيولكم فنزلوا وأراحوها بقية يومهم وليلتهم حتى إذا كان وقت السحر فما شعروا الا وجبلة كبسهم فلما وقع الصياح ركب ضرار وركب معه نحو مائة فارس وأما المائة الأخرى فقد دهمتهم خيول المتنصرة فلم يتمكنوا من الركوب فقاتلوا رجالا فنفرت خيولهم ووصل إليهم عدوهم حتى أنه قتل كل واحد خصمه وتكاثرت عليهم الخيل فأسروا المائة وأما ضرار فإنه صاح بالمائة الثانية وقال يا فتيان العرب أن أعداءكم قد هاجموكم على حين غفلة منكم وهم عرب مثلكم وهذه أفضل الساعات عند الله فقووا عزمكم ولا تفشلوا فأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجنة تحت ظلال السيوف وقد قال الله تعالى كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين قال ميسرة بن عامر وكان من جملة من حضر معنا في مرج دابق ربيعة بن معمر بن أبي عوف وهو ابن عمر بن ربيعة الشاعر وكان ربيعة من فصحاء العرب لا يتكلم الا بالسجع كلامه ينظم بحسن مقاله وكنا نصغي اليه إذا سجع ونحفظ منه فلما سمع ضرارا وهو يحرضنا قال يا فتيان العرب لن تنالوا الجنة الا بالصبر على المكاره والله لن يدخلها من هو للجهاد كاره * ولله في عرض السماوات جنة * ولكنها محفوفة بالمكاره * وأعلى الدرجات درجة الشهادة فارضوا علم الغيب والشهادة فهذا الجهاد قد قام على ساقه وكسد النفاق في أسواقه واختفى بنفاقه في انفاقه أما أنتم أصحاب نبي العصر ولم يئستم من الثبات والنصر بشروا روح المصطفى بثباتكم وقووا العزم بصفاء نياتكم وإياكم ان تولوا الادبار فتستوجبوا غضب الجبار واعلموا ان النصر والثبات جندان منصوران فمن طلب دار البقا هان عليه الملتقى فصححوا طلبتكم تنالوا رحمة ربكم وحققوا حملتكم تنالوا بغيتكم واطعنوا النحور تنالوا الحور وتسكنوا القصور وقوموا الأسنة تنالوا الجنة واعتمدوا على الصبر تنالوا النصر وإياكم ان توافقوا الكفار في حالهم واعدلوا عن طريق قولهم قال العالم بحالهم وفعلهم * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) * قال سمرة ابن غانم والله لقد دهشت أنفسنا بقوله وحملنا على المتنصرة وضرار ينشد * الا فاحملوا نحو اللئام الكواذب * لترووا سيوفا من دماء الكتائب * وردوا عن الدين المعظم في الورى * وأرضوا اله العرش رب المواهب * فمن كان منكم يبتغي عتق ربه * من النار في يوم الجزا والمآرب * فيحمل هذا اليوم حملة ضيغم * ويرضي رسولا في الورى غير كاذب * قال الواقدي ثم حمل ضرار ونحن من ورائه وبذلنا نفوسنا وروينا سيوفنا
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»