فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٧٣
الاختيار متمنيا ساعات الوصول والتلاق وليس لك منا خبر ولا معك منا أثر ألحنا لك لوائح الرضا وكشفنا لك عن واضح القضا أما علمت يا يوقنا أنه لا شيء عند المؤمن أوفى من العلم ولا أربح من الحلم ولا حسب أوضح من الدين ولا قرين أزين من العقل ولا رفيق أشر من الجهل ولا شيء أعز من التقوى ولا شيء أوفى من ترك الهوى ولا عمل أفضل من الفكر ولا حسنة أعلى من الصبر ولا سيئة أخرى من الكبر ولا دواء الين من الرفق ولا داء أوجع من الخرق ولا رسول أعدل من الحق ولا دليل أنصح من الصدق ولا فقر أذل من الطمع ولا غنى أشقى من الجمع ولا حياة أحسن من الصحة ولا معيشة أهنا من العفة ولا عبادة أفضل من الخشوع ولا زهد خير من القنوع ولا حارس أحفظ من الصمت ولا غائب أقرب من الموت فلما سمع يوقنا هذا الكلام من معاذ تهلل وجهه وقال هكذا قرأته في كتب أخي يوحنا وهو مذكور في الإنجيل والتوراة ثم خر ساجدا وقبل الأرض شكرا وقال الحمد لله الذي هداني إلى هذا الدين ووالله لقد رسخ هذا الدين في قلبي وعلمت أنه الحق وسأقاتل في الله كما كنت أقاتل في طاعة الشيطان ووالله لانصرن هذا الدين حتى الحق بأخي يوحنا ثم أنه بكى بكاء شديدا على ما فرط في أمر أخيه فقال له أبو عبيدة قال الله في حق اخوة يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وقال له أن أخاك في عليين مع الحور العين وأما أنت فساعة أسلمت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك فبكى لذلك وقال أشهد علي المسلمين أني كلما جاهدت وقتلت من المشركين فثوابه في صحيفة أخي يوحنا ولا بد أن أقاتل في سبيل الله وأمحو ما سلف من الفعال فقال أبو عبيدة يا عبد الله دلنا أين نسير فقال يوقنا أعلم أيها الأمير أن حصن عزاز حصن منيع وهو قوي بالرجال والعدد والزاد وفيه ابن عم لي اسمه دراس بن جوفناس وهو ذو شدة وبأس وقوة ومراس جلد في الحرب قوي عند الطعن والضرب وأن أنتم تركتموه ومضيتم إلى نحو أنطاكية أغار على حلب وقنسرين وأذاقهم شرا فقال أبو عبيدة يا عبد الله قد أنطق الله لسانك بالحق والصواب فما عندك من الحيلة فقال يوقنا عندي من الرأي أن أركب جوادي وتضم إلي مائة فارس من المسلمين ولنكن على زي الروم ولباسهم وأتقدم بهم ثم يتقدم أمير من العرب ومعه ألف فارس على خفاف الخيل وأنا في المقدمة بالمائة فارس على مقدار فرسخ كأننا هاربون منكم وأوائل الخيل الألف في طلبنا فإذا أشرفنا على عزاز نلقي الصوت فإذا نظر الينا صاحبها دراس لا بد أن ينزل الينا ويلقانا فإذا سألني أخبرته أني أسلمت زورا ثم هربت فخرجت العرب في طلبي فإذا سمع مني ذلك يصعد بنا إلى حصنه وليكن مقدم الألف بالقرب منا في قرية هناك فإذا كان نصف الليل سرنا في وسط الحصن ونضع السيف في أعدائنا فإذا كان عند صلاة الفجر يأتينا أمير العرب بالألف الذي معه فلما سمع أبو عبيدة ذلك استنار وجهه واستشار خالدا ومعاذا في ذلك فقالا يا أمين الأمة
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»