فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٢٤
نار فلما قاربه ونظر اليه والى عظم جثته ندم على خروجه بالعدة التي أثقلته فقال في نفسه وما عسى يغني هذا اللباس إذا حضر الاجل ثم رجع موليا فظن الناس انه ولى فزعا فقال قائل منهم ان ضرار قد انهزم من العلج وما ضبط عنه قط انه انهزم وهو لا يكلم أحدا حتى صار إلى خيمته ونزع ثيابه وبقي بالسراويل واخذ قوسه وتقلد بسيفه وجحفته وعاد إلى الميدان كأنه الظبية الخمصاء فوجد مالكا النخعي قد سبقه إلى البطريق وكان مالك من الخطاط إذا ركب الجواد تسحب رجلاه على الأرض فنظر ضرار فإذا بمالك ينادي العلج تقدم يا عدو الله يا عابد الصليب إلى الرجل النجيب ناصر محمد الحبيب فلم يجبه العلج لما داخله من الخوف منه قال فجال عليه وهم ان يطعنه فلم يجد للطعنة مكانا لما عليه من الحديد فقصد جواده وطعنه في خاصرته فأطلع السنان يلمع من الجانب الآخر فنفر الجواد من حرارة الطعنة وهم مالك ان يخرج الرمح فلم يقدر لأنه قد اشتبك في ضلوع الجواد وهو على ظهره لم يقدر ان يتحرك لأنه مزرر في ظهر الجواد بزنانير إلى سرجه فنظر المسلمون إلى ضرار وقد أسرع اليه مثل الظبية حتى وصل اليه وضربه بسيفه على هامته فشطرها نصفين واخذ سلبه فأتاه مالك وقال ما هذا يا ضرار تشاركني في صيدي فقال ما أنا بشريكك وانما انا صاحب السلب وهو لي فقال مالك أنا قتلت جواده فقال ضرار رب ساع لقاعد آكل غير حامل فتبسم مالك وقال خذ صيدك هناك الله به قال ضرار انما انا مازح في كلامي خذه إليك فوالله ما آخذ منه شيئا وهو لك وأنت أحق به مني ثم انتزع سلب العلج وحمله على عاتقه وما كاد ان يمشي به وهو يتصبب عرقا قال زهير بن عابد ولقد رايته وهو يسير به وهو راجل ومالك فارس حتى طرحه في رحل مالك فقال أبو عبيدة بأبي وأمي والله قوم وهبوا أنفسهم لله وما يريدون الدنيا قال فلما قتل البطريق قص جناح ماهان فصاح بقومه وجمعهم اليه وقال لهم اسمعوا يا أصحاب الملك وبلغوه عني اني ما تركت جهدي في نصرة هذا الدين وحاميت عن الملك وقاتلت عن نعمته وما أقدر ان أغالب رب السماء لأنه قد نصر العرب علينا وملكهم بلدنا والآن مالي وجه ارجع به إلى الملك حتى أخرج إلى الحرب وأبرز إلى مقام الطعن والضرب وعزمت ان أسلم الصليب إلى أحدكم وأبرز إلى قتال المسلمين فان قتلت فقد استرحت من العار ومن توبيخ الملك لي وان رزقت النصر وأثرت في المسلمين أثرا ورجعت سالما علم الملك أني لم أقصر عن نصرته فقالوا أيها الملك لا تخرج إلى الحرب حتى نخرج نحن إلى القتال قبلك فإذا قتلنا فافعل بعدنا ما شئت قال فحلف ماهان بالكنائس الأربع لا يبرز أحد قبله قال فلما حلف أمسكوا عنه وعن مراجعته ثم أنه دعا بابن له فدفع اليه الصليب وقال قف مكاني وقدم لماهان عدة فأفرغت عليه قال الواقدي وبلغنا ان عدته التي خرج بها إلى الحرب تقومت بستين ألف دينار لان جميعها كان مرصعا بالجوهر فلما عزم على الخروج تقدم له راهب من
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»