إلى تعبيتهم فكان عسكر المسلمين صفوفا كالبنيان المرصوص وكان الطير تظلهم والصفوف متلاصقة والرماح مشرعة مشتبكة قال فلما رأى الروم ذلك داخلهم الفزع والجزع وألقى الله الرعب في قلوبهم ثم إن ماهان عبى عسكره فجعل العرب المتنصرة من غسان ولخم وجذام في مقدمة الصفوف وجعل عليهم جبلة وقدم أمامهم صليبا من الفضة وزنه خمسة أرطال وهو مطلي بالذهب وفي أربعة أركانه أربع جواهر تضيء كأنها الكواكب قال الواقدي حدثني سنان بن أوس الربعي قال حدثني عدى بن الحرث الهمداني وكان ممن حضر الفتوح من أولها إلى آخرها قال وكانت الصفوف التي صفها ماهان ثلاثين صفا كل صف منها مثل عسكر المسلمين كله وقد أظهر ماهان بين الصفوف القسوس والرهبان وهم يتلون الإنجيل ويترنمون وأكثر من الرايات والاعلام والصلبان فلما تكاملت صفوفهم وإذا ببطريق عظيم الخلقة قد برز وعليه درع مذهب ولامة حرب مليحة وفي عنقه صليب من الذهب مرصع بالجوهر وتحته فرس أشهب وكان البطريق من عظماء الروم ممن يقف عند سرير الملك فلما برز جعل يرطن بكلام الروم بصوت كالرعد فعلم المسلمون انه يطلب البراز فتوقف المسلمون عن الخروج اليه فصاح خالد وقال يا أصحاب رسول الله هذا العلج الأغلف يدعوكم لقتاله وأنتم تتأخرون فإن لم تخرجوا اليه والا خرج خالد وهم بالخروج وإذا بفارس قد خرج من المسلمين على برذون أشهب عظيم الخلقة يشبه برذون المشرك وعلى المسلم لامة حسنة وعدة سابغة وقصد نحو البطريق فلم يكن في رجال خالد من يعرف الفارس الذي خرج فقال خالد لهمام مولاه أخرج إلى هذا الفارس وانظر من هو من المسلمين ومن أي العرب هو ومن قومه فمضى همام يهتف به وقد هم أن يقرب من البطريق فصاح به من أنت يا ذا الرجل من السلمين رحمك الله فقال أنا روماس صاحب بصرى فلما أخبر خالد به قال اللهم بارك فيه وزد في نيته فلما صار بإزاء العلج كلمه بلسانه فقال الرومي وقد عرفه يا روماس كيف تركت دينك وصبأت إلى هؤلاء القوم فقال روماس هذا الدين الذي دخلت فيه دين جليل شريف فمن تبعه كان سعيدا ومن خالفه فقد ضل ثم حمل روماس على العلج وحمل العلج على روماس وتقاتلا ساعة حتى عجب الجمعان منهما فوجد العلج من روماس غفلة فضربه ضربة أسال دمه قال فأحس روماس بالضربة وقد وصلت اليه فانثنى راجعا نحو المسلمين فأتبعه العلج طالبا له لا يقصر عن طلبه وكاد أن يدركه فصاح به فرسان المسلمين من الميسرة والميمنة فقوي قلب روماس وداخل العلج الجزع والخوف من صياحهم والهلع وقصر عن طلبه ودخل روماس عسكر المسلمين والدم على وجهه فائر فأخذه جماعة من المسلمين فشدوا جراحه وشكروه على فعله ووعدوه بالغفران من الله تعالى وهنئوه بالسلامة
(١٩٣)