فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٩٤
قال ولما رجع روماس منهزما أعجب العلج بنفسه وأظهر عناده وأغلظ في كلامه وطلب البراز فهم أن يخرج اليه ميسرة بن مسروق العبسي فقال له خالد يا ميسرة ان وقوفك في مكانك أحب إلي من خروجك إلى هذا العلج وأنت شيخ كبير وهذا علج عظيم الخلق والشاب شجاع ولا أحب أن تخرج اليه فإنه لا يكاد الشيخ الكبير يقاوم الشاب الحدث ولا سيما ان شعرة من مسلم أحب إلى الله تعالى من جميع أهل الشرك فرجع ميسرة إلى مكانه وهم أن يخرج اليه عامر بن الطفيل وقال أيها الأمير انك قد عظمت قدر هذا الرومي الذميم وأدخلت في قلوب المسلمين منه الرعب فقال خالد ان الفرسان تعرف أكفاءها في الحرب وما يخفى علي ما هو فيه من الشجاعة والشدة وأنت لا تقاومه لأنه ما برز بين أصحابه وبين شجاعته الا وهو فارس في قومه فقف في مكانك فوقف عامر بن الطفيل في مكانه ولم يخالف قال والعلج يدعو إلى البراز والحرب فأقبل إلى خالد الحرث بن عبد الله الأزدي فلما وقف بين يديه قال أيها الأمير اخرج اليه قال خالد لعمري ان لك جسارة وقوة وشدة وما علمتك الا شهما فان شئت أن تخرج فأخرج على اسم الله واعزم فاخذ الأزدي أهبته وهم أن يخرج فقال خالد رضي الله عنه على رسلك يا عبد الله حتى أسألك فقال أسأل قال خالد هل بارزت أحدا قبله قال لا قال فارجع يا ابن أخي ولا تخرج فإنك غير مجرب الحروب وهذا فارس قد جرب الحرب وجربته وعرف مصادرها وما أحب أن يخرج اليه الا رجل مثله بصير بالحروب وجعل خالد يقول ذلك وينظر إلى قيس بن هبيرة فقال يا أبا سليمان اني أظنك تعرض بي وإياي تعني أنا ابرز اليه قال خالد ابرز على اسم الله تعالى فإنك كفء والله تعالى يعينك عليه وخرج قيس بن هبيرة واجرى جواده حتى لين عريكته وكسر حدته ثم سرحه نحو البطريق وهو يقول بسم الله وعلى بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرب من البطريق فلما نظر العلج إلى فعاله علم أنه فارس شديد من فرسان المسلمين فعدل نحوه وقصد اليه وتحاملا قال فبادره قيس بن هبيرة وضربه على هامته فتلقاها العلج في حجفته فقد سيف ابن هبيرة الحجفة ووصل إلى البيضة فاشتبك فيها وهم أن يخرج سيفه فامتنع عليه وضرب العلج قيس بن هبيرة على حبل عاتقه فثبت للضربة والتقيا بعد الضربتين فطرح العلج نفسه عليه يريد أسره وهو جبار من الجبابرة وكان قيس بعد رجوعه من قتال أهل الردة قد عود نفسه الصيام والقيام وهو نحيف الجسم فلما نظر قيس إلى العلج وقد ظهر عليه انجذب من يده وبعد عنه وجعل ينظر اليه شزرا ويضمه له مكرا إلى أن سيفه قد خرج من يده فثنى عنان فرسه يريد عسكر الملسمين ليأخذ سيفا ويعود إلى القتال وقد ايس من نفسه فلما عطف راجعا صاح العلج في أثره وسعى في طلبه فقصر قيس بن هبيرة في سيره وقال في نفسه أنت مرادك الشهادة وتهرب من هذا العلج فرجع إلى العلج فصاح به خالد يا قيس سألتك بالله ورسوله الا رجعت
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»