الضارية والعقبان الكاسرة فردوا عليهم كردوسا واحدا حتى أحاطوا بالبطريق وأصحابه من كل جانب وداروا بهم مثل الحلقة المستديرة واحدقوا بهم كاحداق البياض بسواد العين وبقيت الروم في أوساطهم كالشامة السوداء في الثور الأبيض فعند ذلك نصبت العلوج نشابها على العرب والمسلمون يكرون عليهم مثل الأسود الضارية ويحومون عليهم كما تحوم النسور ويضربونهم بالسيوف ويصرعونهم يمينا وشمالا حتى انكسر أكثرهم قال عطية بن فهر الزبيدي فلما نظرت الروم إلى فعلنا بهم تكالبت علينا فلما حميت الحرب ابتدر خالد بن الوليد رضي الله عنه من وسط العسكر وهو على جواد أشقر وعليه جوشن مذهب كان لصاحب بعلبك أهداه له يوم فتح بعلبك وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه قد عمم نفسه بعمامة حمراء وكانت تلك العمامة عمامته في الحرب وجعل يهدر كالأسد الحردان وقد انتضى سيفه من غمده وهزه حتى طار منه الشرر ونادى برفيع صوته رحم الله رجلا جرد سيفه وقوى عزمه وقاتل أعداءه فعندها انتضب المسلمون سيوفهم وصدموا الروم صدمة عظيمة ونادى الأمير أبو عبيدة يا بني العرب قاتلوا عن حريمكم ودينكم وأموالكم فان الله مطلع عليكم وناصركم على عدوكم قال وكان معاذ بن جبل قد انفرد في خمسمائة فارس إلى السواد والأموال وانقض على الروم فما شعرت الروح والعلوج ممن انغمس في الغارة وحمل الزاد والرحال والأمتعة الا والطعن قد أخذهم بأسنة الرماح من كل جانب كأنها ألسنة النار المضرمة ونادى مناد يا فتيان العرب اطلبوا الباب لئلا ينجوا أحد من الروم برحالنا وأولادنا فجعل المسلمون يطلبون الأبواب وكانت علوج الروم قد غرقت في رحال المسلمين فلما نظروا إلى معاذ وقد حمل عليهم في رحاله عادت وقد رمت الرحال وطلبت الهرب فانفلت منهم ما انفلت وقتل من قتل قال صهيب بن سيف الفزاري فوالله ما انفلت من الخمسة آلاف الذين كانوا مع هربيس صاحب حمص الا ما ينوف عن مائة فارس قال واتبعنا القوم إلى الأبواب فكان أعظم المصيبة قتلنا إياهم على الأبواب لان أكثر الرجال من العواصم وغيرهم كانوا في المدينة قال سعيد بن زيد شهدت يوم حمص وكنت ممن أولع بعدد القتلى فعددت خمسة آلاف وستة غير أسير وجريح فدنوت من الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وقلت البشارة أيها الأمير فاني عددت خمسة آلاف وستة غير أسير وجريح فقال الأمير أبو عبيدة بشرت بخير يا سعيد يا ابن زيد فهل ترى قتل بطريقهم هربيس فقال سعيد بن زيد أيها الأمير إذا كان قتل بطريقهم هربيس فما قتله غيري فقال الأمير أبو عبيدة وكيف علمت أنه قتيلك يا سعيد فقال سعيد بن زيد أيها الأمير اني رأيت فارسا عظيم الخلقة طويلا ضخما احمر اللون وبيده سيف وعليه لامة حربه صفتهما كذا وكذا وهو في وسط الروم كأنه البعير الهائج فحملت عليه وقلت في حملتي اللهم إني اقدم قدرتك على قدرتي وغلبتك
(١٥٩)