فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٦٤
يسيرون حتى وصلوا إلى الجابية وحضروا بين يدي الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وأخبروه بما رأوه من عظم الجيوش والعساكر فلما سمع أبو عبيدة ذلك عظم عليه وكبر لديه وقال لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وبات قلقا لم تغمض له عين خوفا على المسلمين فلما طلع الفجر أذن فصلى بالمسلمين فلما فرغ من صلاته أقسم على المسلمين أن لا يبرحوا حتى يسمعوا ما يقول ثم قام فيهم خطيبا وحمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وترحم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ودعا للمسلمين بالنصر وقال يا معاشر المسلمين اعلموا رحمكم الله ان الله ابتلاكم ببلاء حسن لينظر كيف تعملون وذلك عندما صدقكم الوعد وأيدكم بالنصر في مواطن كثيرة واعلموا أن عيوني أخبروني أن عدو الله هرقل استنجد علينا من كبار بلاد الشرك وقد سيرهم إليكم وأثقلهم بالزاد والسلاح * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) * واعلموا أنهم قد ساروا إليكم في طرق مختلفة ووعدهم طاغيتهم أن يجتمعوا بازائكم على قتالكم واعلموا أن الله معكم وليس بكثير من يخذله الله تعالى وليس بقليل من يكون الله تعالى معه فما عندكم من الرأي رحمكم الله تعالى ثم قال لبعض عيونه قم وأخبر المسلمين بما رأيت فقام الرجل وأخبر الناس بما رأى من الجيوش الثقيلة وعددها وعديدها فعظم ذلك على المسلمين وداخل قلوب رجال منهم الهيبة والجزع وجعل بعضهم ينظر إلى بعض ولم يرد أحد منهم جوابا فقال أبو عبيدة رضي الله عنه ما هذا السكوت عن جوابي رحمكم الله فأشيروا على أيديكم فان الله عز وجل يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم * (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) * قال الواقدي فتكلم رجل من أهل السبق وقال أيها الأمير أنت رجل لك رفعة ومكان وقد نزلت فيك آية من القرآن وأنت الذي جعلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة فقال عليه السلام لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة رضي الله عنه عامر بن الجراح أشر أنت علينا بما يكون فيه الصلاح للمسلمين فقال الأمين أبو عبيدة رضي الله عنه انما انا رجل منكم تقولون وأقول وتشيرون وأشير والله الموفق في ذلك فقام اليه رجل من أهل اليمن وقال أيها الأمير الذي نشير به عليك أن تسير من مكانك وتنزل في فرجة من وادي القرى فيكون المسلمون قريبا من المدينة والنجدة تصل الينا من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا طلب القوم أثرنا وأقبلوا الينا كنا عليهم ظاهرين فقال الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه اجسلوا رحمكم الله فقد أشرتم بما عندكم من الرأي وإني أن برحت من موضعي هذا كره لي عمر بن الخطاب ذلك وأخذ يعنفني ويقول تركت مدائن فتحها الله على يديك ونزحت عنها وكان ذلك هزيمة منك ثم قال أشيروا علي برأيكم رحمكم الله تعالى فقام اليه قيس بن هبيرة المرادي وقال يا أمير المؤمنين لاردنا الله إلى أهلنا سالمين ان خرجنا من الشام وكيف ندع هذه الأنهار المتفجرة والزروع والأعناب والذهب
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»