ثم دعا بالقسوس والرهبان وقال لهم خذوا أهبتكم وادعوا المسيح أن ينصرنا على العرب فان دعاءكم لا يحجب ولا يرد قال فدخلوا كنيستهم المعظمة عندهم وهي كنيسة جرجيس وهي الجامع اليوم ونشروا المزامير وضجوا بالتهمير واقبلوا يبتهلون بكلمة الكفر وباتوا بقية ليلتهم على مثل ذلك فلما كان الصباح دخل هربيس إلى البيعة وتقرب وصلوا عليه صلاة الموتى فدخل قصره وقدم له خنوص مشوي فاكله حتى اتى على آخره وقدم بين يديه باطية الذهب والفضة فشرب حتى انقلبت عيناه في أم رأسه ثم لبس ديباجا محشوا بالفرو والزرد الصغار المضعف العدد ولبس فوقها درعا من الذهب الأحمر وعلق في عنقه صليبا من الياقوت وتقلد بسيف من صنعة الهند وقدم له مهر كالطود العظيم فاستوى على ظهره وخرج من قصره طالبا باب الرستن فأحاطت به بطارقته من الروم من كل جانب ومكان وفتحت أبواب حمص وخرجت الروم من كل جانب ومكان في عددهم وعديدهم وراياتهم وصلبانهم وبين يدي هربيس خمسة آلاف فارس من علوج الروم وهم بالعدد العديد والزرد النضيد فصفهم هربيس أمام المدينة كأنهم سد من حديد أو قطع الجلمود وقد وطنوا نفوسهم على الموت دون أموالهم وذراريهم فتبادر المسلمون إليهم مثل الجراد المنتشر وحملوا عليهم حملة عظيمة والعلوج كأنهم حجارة ثابتة ماولوا عن مواضعهم ولا فكروا فيما نزل بهم فعندها صاح البطريق هربيس على رجاله وزجرهم فتبادرت الروم وصاح بعضهم ببعض وركب المسلمون وحملوا عليهم ورشقوا الرجال بالسهام واشتبكت الحرب واختلط الفريقان واقتتلوا قتالا شديدا ما عليه من مزيد الا ان المسلمين رجعوا القهقري وقد فشا فيهم القتال والجراح فلما نظر الأمير أبو عبيدة إلى ذلك من هزيمة المسلمين عظم عليه وكبر لديه وصاح فيهم بصوته يا بني القرآن الرجعة الرجعة بارك الله فيكم فهذا يوم من أيام الله تعالى فاحملوا معي بارك الله فيكم فتراجع الناس وحملوا على أهل حمص حملة عظيمة وشدوا عليهم الحملة وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه في جمع كثير من بني مخزوم وجعلوا يضربون فيهم بسيوفهم ويطعنون برماحهم حتى طحنوهم طحن الحصيد ووضع المسلمون فيهم السيف وحمل ابن مسروق العبسي في طائفة من قومه من بني عبس وقد رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير وصدموا الروم صدمة عظيمة فتراجعت الروم إلى الاسوار وقد فشا فيهم القتل فبربرت الروم بلغاتها وتراجعت على المسلمين وأحاطوا بهم من كل جانب ومكان ورشقت العلوج بالنشاب وطعنوا في المسلمين بالحراب وقد استتروا بالدرق والطوارق قال فلما نظر خالد بن الوليد إلى ذلك برز باللواء وكان هو صاحب اللواء يوم حمص وصاح خالد بأصحابه وقال شدوا عليهم بالحملة بارك الله فيكم فإنها والله غنيمة الدنيا والآخرة قال فبينما خالد بن الوليد يحرض أصحابه على القتال إذ حمل عليه بطريق من عظماء الروم وعليه لامة
(١٥٦)