وجنوده وكفروا بين يديه ورفعا أصواتهم بالبكاء والنحيب مما وصل إليهم من فتح المسلمين بلادهم فنهاهم عن ذلك وقال يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية قد حذرتكم وخوفتكم من هؤلاء العرب ولم تقبلوا مني فوحق المسيح والإنجيل الصحيح والقربان ومذبحنا المعمدان لا بد لهؤلاء العرب أن يملكوا ما تحت سريري هذا والآن البكاء لا يصلح الا للنساء وقد اجتمع لكم من العساكر ما لم يقدر عليه ملك من ملوك الدنيا وقد بذلت مالي ورجالي كل ذلك لاذب عنكم وعن دينكم وعن حريمكم فتوبوا للمسيح من ذنوبكم وانووا للرعية خيرا ولا تظملوا وعليكم بالصبر في القتال ولا يخامر بعضكم بعضا وإياكم والعجب والحسد فإنهما ما نزلا بقوم الا ونزل عليهم الخذلان واني أريد أن أسألكم وأريد منكم الجواب عما أسألكم عنه فقالت العظماء من الروم والملوك اسأل أيها الملك عما شئت قال إنكم اليوم أكثر عددا وأغزر مددا من العرب وأكثر جمعا وأكثر خياما وأعظم قوة فمن أين لكم هذا الخذلان وكانت الفرس والترك والجرامقة تهاب سطوتكم وتفزع من حربكم وشدتكم وقد قصدوا إليكم مرارا ورجعوا منكسرين والآن قد علا عليكم العرب وهم أضعف الخلق عراة الأجساد جياع الأكباد ولا عدد ولا سلاح وقد غلبوكم على بصرى وحوران وأجنادين ودمشق وبعلبك وحمص قال فسكت الملوك عن جوابه فعندها قام قسيس كبير عالم بدين النصرانية وقال أيها الملك أما تعلم لم نصرت العرب علينا قال لا وحق المسيح فقال القسيس أيها الملك لان قومنا بدلوا دينهم وغيروا ملتهم وجحدوا بإجابة المسيح عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه وظلموا بعضهم وليس فيهم من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وليس فيهم عدل ولا احسان ولا يفعلون الطاعات وضيعوا أوقات الصلوات وأكلوا الربا وارتكبوا الزنا وفشت فيهم المعاصي والفواحش وهؤلاء العرب طائعون لربهم متبعون دينهم رهبان بالليل صوام بالنهار ولا يفترون عن ذكر ربهم ولا عن الصلاة على نبيهم وليس فيهم ظلم ولا عدوان ولا يتكبر بعضهم على بعض شعارهم الصدق ودثارهم العبادة وأن حملوا علينا لا يرجعون وان جملنا عليهم فلا يولون وقد علموا أن الدنيا دار الفناء وان الآخرة هي دار البقاء قال الواقدي فلما سمع القوم والملك هرقل ما قاله القسيس قالوا وحق المسيح لقد صدقت بهذا نصرت العرب علينا لا محالة وإذا كان فعل قومنا ما ذكرت فلا حاجة لي في نصرتهم واني قد عولت أن أصرف هذه الجيوش والعساكر إلى بلادها وآخذ أهلي ومالي وأنزل من أرض سورية وأرحل إلى أسبوك يعني القسطنطينية فأكون هناك آمنا من العرب قال فلما سمع القوم ذلك من الملك صفوا بين يديه وقالوا أيها الملك لا تفعل ولا تخذل دين المسيح فيطالبك بذلك يوم القيامة وتعيرك الملوك بذلك ويستضعفون رأيك وأيضا تشمت بنا أعداؤنا إذا أنت خرجت من جنة
(١٦١)