كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٢٠
الامتلاء [1] بخلاف اللذة الروحانية فإنها ألذ وأشهى [2] من اللذائذ الجسمانية ولهذا كان الإمام الثاني محمد بن الحسن الشيباني يقول عندما انحلت له مشكلات العلوم: ابن أبناء الملوك من هذه اللذة سيما إذا كانت الفكرة في حقائق الملكوت واسرار اللاهوت.
ومن لذته التابعة لعزته انه لا يقبل العزل والنصب ومع دوامه لا مزاحمة فيه لاحد لان المعلومات متسعة مزيدة بكثرة الشركاء ومع هذا لا ترى أحدا من الولاة الجهال الا يتمنون [يتمنى] أن يكون عزهم [عزه] كعز أهل العلم الا ان الموانع البهيمية تمنع عن نيله.
واما اللذائذ الحاصلة لغيره اما في الأخرى فلكونه وسيلة إلى أعظم اللذائذ الأخروية والسعادة الأبدية واما في الدنيا فالعز والوقار ونفوذ الحكم على الملوك ولزوم الاحترام في الطباع فإنك ترى أغبياء الترك وأجلاف العرب يصادفون طباعهم مجبولة على التوقير لشيوخهم لاختصاصهم بطبعها لشعورها بتميز الانسان بكمال مجاوز لدرجها حتى أنها تنزجر بزجره وإن كانت قوتها اضعاف قوة الانسان.
التعليم الثاني: في نفعه واعلم أن السعادة منحصرة في قسمين جلب المنافع ودفع المضار وكل منهما دنيوي وديني فالأقسام أربعة.
الأول وهو ما ينجلب بالعلم من المنافع الدينية وهو حقي وخلقي أشار إلى نفعه الأول قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: فان تعلمه لله خشية الخ والى نفعه الثاني قوله عليه الصلاة والسلام: وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة.
الثاني وهو ما ينجلب بالعلم من المنافع الدنيوية وهو وجداني وذوقي وجاهي رتبي. والوجداني اما راحة أو استيلاء والراحة اما من مشقة وجود ظاهر للنفس أو من فقد سار لها بالانس [*] وكل منهما اما خارجي واما ذاتي فالراحة أربعة أقسام. وقوله عليه الصلاة والسلام:
وهو الأنيس في الوحشة إشارة إلى الأول لأنه يريح بأنسه من كل قلق واضطراب. وقوله عليه الصلاة والسلام: والصاحب في الغربة إشارة إلى الثاني لأنه يقر من الغريب عينه ويريحه من كمود النفس من الحزن وانكسارها لفقد سرور الأهل والوطن.
وقوله عليه الصلاة والسلام: والمحدث في الخلوة إشارة إلى الثالث لان العلم يريح المنفرد عن الناس بتحديثه من انقباض الفهم وخموده وهو ألم ذاتي لأهل الكمال وهذا هو السر في استلذاذ المسافرة

[1] أي امتلاء أوعية المنى (منه). * [2] ولبعض الحكماء تصنيف في تحقيق هذا المبحث (منه). [*] لعل الصحيح: " اما من فقد مشقة ضارة للنفس أو من وجود سار لها بالانس ".
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»