سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٤٦٤
قال: وكان يصلي كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة، ويقوم الليل، ويحمل ما أمكنه إلى بيوت الأرامل واليتامى سرا، وضعف بصره من كثرة البكاء والمطالعة، وكان أوحد زمانه في علم الحديث.
وقال أيضا: وفي ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمس مئة كان ما اشتهر من أمر الحافظ عبد الغني وإصراره على ما ظهر من اعتقاده وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره، وأنه مبتدع لا يجوز أن يترك بين المسلمين، فسأل أن يمهل ثلاثة أيام لينفصل عن البلد فأجيب.
قلت: قد بلوت على أبي المظفر المجازفة وقلة الورع فيما يؤرخه والله الموعد، وكان يترفض، رأيت له مصنفا في ذلك فيه دواه (1)، ولو أجمعت الفقهاء على تكفيره كما زعم لما وسعهم إبقاؤه حيا، فقد كان على مقالته بدمشق أخوه الشيخ العماد والشيخ موفق الدين، وأخوه القدوة الشيخ أبو عمر، والعلامة شمس الدين البخاري، وسائر الحنابلة، وعدة من أهل الأثر، وكان بالبلد أيضا خلق من العلماء لا يكفرونه، نعم، ولا يصرحون بما أطلقه من العبارة لما ضايقوه، ولو كف عن تلك العبارات، وقال بما وردت به النصوص لأجاد ولسلم، فهو الأولى، فما في توسيع العبارات الموهمة خير، وأسوأ شئ قاله أنه ضلل العلماء الحاضرين، وأنه على الحق، فقال كلمة فيها شر وفساد وإثارة للبلاء، رحم الله الجميع وغفر لهم، فما قصدهم إلا تعظيم الباري عز وجل من الطرفين، ولكن الأكمل في التعظيم والتنزيه الوقوف مع ألفاظ الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف رضي الله عنهم.

(1) قد تكلم الذهبي في سبط ابن الجوزي وكرر ذلك في غير ما موضع من كتبه ولا سيما (تاريخ الاسلام) وانظر ترجمته في (السير) و (تاريخ الاسلام).
(٤٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 ... » »»