سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٤٥٣
الفجر، ربما توضأ سبع مرات أو ثمانيا في الليل، وقال: ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه.
أخبرني خالي موفق الدين قال (1): كان الحافظ عبد الغني جامعا للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم، ورزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة إلا أنه لم يعمر (2).
قال أخوه الشيخ العماد: ما رأيت أحدا أشد محافظة على وقته من أخي.
قال الضياء: وكان يستعمل السواك كثيرا حتى كأن أسنانه البرد.
سمعت محمود بن سلامة التاجر الحراني يقول: كان الحافظ عبد الغني نازلا عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلا قليلا، بل يصلي ويقرأ ويبكي.
وسمعت الحافظ يقول: أضافني رجل بأصبهان، فلما تعشينا كان عنده رجل أكل معنا، فلما قمنا إلى الصلاة لم يصل، فقلت: ما له؟ قالوا:
هذا رجل شمسي (3)، فضاق صدري، وقلت للرجل: ما أضفتني إلا مع كافر!، قال: إنه كاتب، ولنا عنده راحة، ثم قمت بالليل أصلي وذاك

(1) ذكر الحافظ الضياء أنه سأل خاله الموفق عن عبد الغني، وأنه كتب هذا بخطه وأنه قرأه عليه (ذيل ابن رجب: 2 / 11).
(2) تمام الحكاية: (حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها) (ذيل ابن رجب: 2 / 11).
(3) يعني: يعبد الشمس.
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»