ثم إن الناصح جمع البنوية (1) وغيرهم وقالوا: إن لم يخلونا نصلي باختيارهم صلينا بغير اختيارهم، فبلغ ذلك القاضي، وكان صاحب الفتنة، فأذن لهم، وحمى الحنفية مقصورتهم بأجناد، ثم إن الحافظ ضاق صدره ومضى إلى بعلبك، فأقام بها مدة، فقال له أهلها: إن اشتهيت جئنا معك إلى دمشق نؤذي من آذاك، فقال: لا، وتوجه إلى مصر فبقي بنابلس مدة يقرأ الحديث، وكنت أنا بمصر، فجاء شاب من دمشق بفتاو إلى صاحب مصر الملك العزيز ومعه كتب أن الحنابلة يقولون كذا وكذا مما يشنعون به عليهم، فقال - وكان يتصيد -: إذا رجعنا أخرجنا من بلادنا من يقول بهذه المقالة، فاتفق أنه عدا به الفرس، فشب به فسقط فخسف صدره، كذلك حدثني يوسف بن الطفيل شيخنا وهو الذي غسله، فأقيم ابنه صبي، فجاء الأفضل من صرخد، وأخذ مصر وعسكر وكر إلى دمشق، فلقي الحافظ عبد الغني في الطريق فأكرمه إكراما كثيرا، ونفذ يوصي به بمصر فتلقي الحافظ بالاكرام، وأقام بها يسمع الحديث بمواضع، وكان بها كثير من المخالفين، وحصر الأفضل دمشق حصرا شديدا، ثم رجع إلى مصر، فسار العادل عمه خلفه فتملك مصر، وأقام، وكثر المخالفون على الحافظ، فاستدعي، وأكرمه العادل، ثم سافر العادل إلى دمشق، وبقي الحافظ بمصر، وهم ينالون منه، حتى عزم الملك الكامل على إخراجه (2)، واعتقل في دار أسبوعا، فسمعت أبا موسى يقول: سمعت أبي يقول: ما وجدت راحة في مصر مثل تلك الليالي. قال: وكانت امرأة في دار إلى جانب تلك الدار، فسمعتها تبكي، وتقول: (بالسر الذي أودعته قلب موسى حتى قوي
(٤٦١)