سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٤٦٠
بأن يعظ تحت النسر (1) يوم الجمعة وقت جلوس الحافظ، فأول ذلك أن الناصح والحافظ أرادا أن يختلفا الوقت، فاتفقا أن الناصح يجلس بعد الصلاة، وأن يجلس الحافظ العصر، فدسوا إلى الناصح رجلا ناقص العقل من بني عساكر فقال للناصح في المجلس ما معناه: إنك تقول الكذب على المنبر، فضرب وهرب (2)، فتمت مكيدتهم، ومشوا إلى الوالي وقالوا:
هؤلاء الحنابلة قصدهم الفتنة، واعتقادهم يخالف اعتقادنا، ونحو هذا، ثم جمعوا كبراءهم ومضوا إلى القلعة إلى الوالي، وقالوا: نشتهي أن تحضر عبد الغني، فانحدر إلى المدينة خالي الموفق، وأخي الشمس البخاري، وجماعة، وقالوا: نحن نناظرهم، وقالوا للحافظ: لا تجئ فإنك حد (3) نحن نكفيك، فاتفق أنهم أخذوا الحافظ وحده، ولم يدر أصحابنا فناظروه، واحتد وكانوا قد كتبوا شيئا من الاعتقاد، وكتبوا خطوطهم فيه وقالوا له: اكتب خطك فأبى، فقالوا للوالي: الفقهاء كلهم قد اتفقوا على شئ وهو يخالفهم، واستأذنوه في رفع منبره (4)، فبعث الاسرى (5) فرفعوا ما في جامع دمشق من منبر وخزانة ودرابزين (6)، وقالوا: نريد أن لا تجعل في الجامع إلا صلاة الشافعية وكسروا منبر الحافظ، ومنعونا من الصلاة ففاتتنا صلاة الظهر،

(1) يعني تحت قبة النسر من جامع دمشق الأموي.
(2) نقل ابن رجب عن الضياء أن هذا الرجل قد خبئ في الكلاسة بعد هروبه.
(3) يعني حاد، من الحدة، وهو ما يعتري الانسان من النزق والغضب.
(4) وكان الوالي لا يفهم شيئا، نقل ذلك ابن رجب عن الحافظ الضياء.
(5) هكذا في الأصل وفي الذيل لابن رجب، والظاهر أنه اسم لجماعة من أعوان الوالي من الشرطة أو الجيش.
(6) الدرابزين: كلمة أصلها يونانية، وهو حاجز على جانبي السلم أو غيره يستعين به الصاعد ويحميه من السقوط (انظر المحيط ومعجم دوزي: 4 / 313).
(٤٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 ... » »»