سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٤٥٧
في السوق ينظرون إليه، ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها.
قال الضياء: ولما وصل إلى مصر كنا بها، فكان إذ اخرج للجمعة لا نقدر نمشي معه من كثرة الخلق، يتبركون به ويجتمعون حوله، وكنا أحداثا نكتب الحديث حوله، فضحكنا من شئ وطال الضحك، فتبسم ولم يحرد (1) علينا، وكان سخيا جوادا لا يدخر دينارا ولا درهما مهما حصل أخرجه. لقد سمعت عنه أنه كان يخرج في الليل بقفاف الدقيق إلى بيوت متنكرا في الظلمة، فيعطيهم ولا يعرف، وكان يفتح عليه بالثياب فيعطي الناس وثوبه مرقع.
قال خالي الشيخ موفق الدين: كان الحافظ يؤثر بما تصل يده إليه سرا وعلانية، ثم سرد حكايات في إعطائه جملة دراهم لغير واحد.
قال: وسمعت بدر بن محمد الجزري يقول: ما رأيت أحدا أكرم من الحافظ، كنت أستدين يعني لأطعم به الفقراء، فبقي لرجل عندي ثمانية وتسعون درهما فلما تهيأ الوفاء أتيت الرجل فقلت: كم لك؟ قال: ما لي عندك شئ!، قلت: من أوفاه؟ قال: قد أوفي عنك، فكان وفاه الحافظ وأمره أن يكتم عليه.
وسمعت سليمان الأسعردي يقول: بعث الأفضل ابن صلاح الدين إلى الحافظ بنفقة وقمح كثير ففرقه كله.
وسمعت أحمد بن عبد الله العراقي، حدثني منصور الغضاري (2) قال: شاهدت الحافظ في الغلاء بمصر وهو ثلاث ليال يؤثر بعشائه ويطوي.

(1) الحرد: الغضب.
(2) ويقال في نسبته (الغضائري)، نسبة إلى الغضار، وهو الاناء الذي يؤكل فيه.
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»