سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٤٥٤
يستمع، فلما سمع القرآن تزفر، ثم أسلم بعد أيام، وقال: لما سمعتك تقرأ وقع الاسلام في قلبي.
وسمعت نصر بن رضوان المقرئ يقول: ما رأيت أحدا على سيرة الحافظ، كان مشتغلا طول زمانه.
قيامه في المنكر:
كان لا يرى منكرا إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم. قد رأيته مرة يهريق خمرا فجبذ صاحبه السيف فلم يخف منه، وأخذه من يده، وكان قويا في بدنه، وكثيرا ما كان بدمشق ينكر (1) ويكسر الطنابير والشبابات.
قال خالي الموفق: كان الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه، وكنا مرة أنكرنا على قوم وأرقنا خمرهم وتضاربنا، فسمع خالي أبو عمر، فضاق صدره، وخاصمنا، فلما جئنا إلى الحافظ طيب قلوبنا، وصوب فعلنا وتلا:
* (وأنه عن المنكر وأصبر على ما أصابك) * (2).
وسمعت أبا بكر بن أحمد الطحان، قال: كان بعض أولاد صلاح الدين قد عملت لهم طنابير، وكانوا في بستان يشربون، فلقي الحافظ الطنابير فكسرها. قال: فحدثني الحافظ، قال: فلما كنت أنا وعبد الهادي عند حمام كافور إذا قوم كثير معهم عصي فخففت المشي، وجعلت أقول:
(حسبي الله ونعم الوكيل)، فلما صرت على الجسر لحقوا صاحبي، فقال: أنا ما كسرت لكم شيئا، هذا هو الذي كسر. قال: فإذا فارس يركض

(١) يعني: ينكر المنكر.
(٢) لقمان: ١٧.
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»