المعتز، فقال: السلام عليكم، وجلس، ولم يسلم عليه بالامرة. فسمعت أبا عبد الله بعد يقول: لما دخلت عليه، وجلست، قال مؤدبه: أصلح الله الأمير، هذا هو الذي أمره أمير المؤمنين يؤدبك ويعلمك؟ فقال الصبي: إن علمني شيئا، تعلمته! قال أبو عبد الله: فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره، وكان صغيرا.
ودامت علة أبي عبد الله، وبلغ المتوكل ما هو فيه، وكلمه يحيى بن خاقان أيضا، وأخبره أنه رجل لا يريد الدنيا، فأذن له في الانصراف. فجاء عبيد الله (بن يحيى) (1) وقت العصر، فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر أن يفرش لك حراقة (2) تنحدر فيها. فقال أبو عبد الله: اطلبوا لي زورقا أنحدر الساعة. فطلبوا له زورقا، فانحدر لوقته.
قال حنبل: فما علمنا بقدومه حتى قيل: إنه قد وافى، فاستقبلته بناحية القطيعة. وقد خرج من الزورق، فمشيت معه، فقال لي: تقدم لا يراك الناس فيعرفوني، فتقدمته. قال: فلما وصل (3)، ألقى نفسه على قفاه من التعب والعياء.
وكان ربما استعار الشئ من منزلنا ومنزل ولده، فلما صار إلينا من مال السلطان ما صار، امتنع من ذلك حتى لقد وصف له في علته قرعة تشوى، فشويت في تنور صالح، فعلم، فلم يستعملها (4). ومثل هذا كثير.