سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٧٧
نؤمن. فلما كان غداة الجمعة، وجه إلي وإلى أخي. فلما ختم، جعل يدعو ونحن نؤمن. فلما فرغ، جعل يقول: أستخير الله مرات. فجعلت أقول: ما يريد؟ ثم قال: إني أعطي الله عهدا، إن عهده كان مسؤولا، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (المائدة: 1) إني لا أحدث بحديث تمام أبدا حتى ألقى الله، ولا أستثني منكم أحدا، فخرجنا، وجاء علي بن الجهم فأخبرناه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وأخبر المتوكل بذلك. وقال: إنما يريدون أحدث، ويكون هذا البلد حبسي، وإنما كان سبب الذين أقاموا بهذا البلد لما أعطوا فقبلوا، وأمروا فحدثوا. والله لقد تمنيت الموت في الامر الذي كان، وإني لأتمنى الموت في هذا وذاك.
إن هذا فتنة الدنيا (1)، وذاك كان فتنة الدين، ثم جعل يضم أصابعه، ويقول: لو كان نفسي في يدي لأرسلتها (ثم يفتح أصابعه) (2).
وكان المتوكل يكثر السؤال عنه، وفي خلال ذلك يأمر لنا بالمال، ويقول: لا يعلم شيخهم فيغتم، ما يريد منهم؟ إن كان هو لا يريد الدنيا، فلم يمنعهم؟!
وقالوا للمتوكل: إنه لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك، ويحرم الذي تشرب. فقال: لو نشر لي المعتصم، وقال فيه شيئا، لم أقبل منه.
قال صالح: ثم انحدرت إلى بغداد، وخلفت عبد الله عنده. فإذا عبد الله قد قدم، فقلت: مالك؟ قال: أمرني أن أنحدر. وقال: قل لصالح:

(1) عبارة " تاريخ الاسلام ": ".. وإني لأتمنى الموت في هذا، وذلك أن هذا فتنة الدنيا... ".
(2) ما بين حاصرتين من " تاريخ الاسلام ".
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»