سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٧٥
قاعدا على مصطبة (1) في الدار. فصعد وقعد، فقال له يحيى: يا أبا عبد الله، إن أمير المؤمنين جاء بك ليسر بقربك، ويصير ابنه عبد الله في حجرك. فأخبرني بعض الخدام أن المتوكل كان قاعدا وراء ستر، فقال لامه: يا أمه، قد أنارت (2) الدار. ثم جاء خادم بمنديل، فأخذ يحيى المنديل، وذكر قصة في إلباس أبي عبد الله القميص والقلنسوة والطيلسان، وهو لا يحرك يده، ثم انصرف.
وقد كانوا تحدثوا أنه يخلع عليه سوادا. فلما جاء، نزع الثياب، وجعل يبكي، وقال: سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة، حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم. ما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام، فكيف بمن يجب علي نصحه؟! يا صالح: وجه بهذه الثياب إلى بغداد تباع، ويتصدق بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئا، فوجهت بها إلى يعقوب بن بختان (3)، فباعها، وفرق ثمنها، وبقيت عندي القلنسوة.
قال: ومكث خمسة عشر يوما يفطر كل ثلاث على ثمن سويق، ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة على رغيف، وليلة لا يفطر. وإذا جاؤوا بالمائدة، توضع في الدهليز لئلا يراها. وكان إذا أجهده الحر بل خرقة، فيضعها على صدره. وفي كل يوم يوجه إليه بابن ماسويه، فينظر إليه، فقال. يا أبا عبد الله، أنا أميل إليك وإلى أصحابك، وما بك علة سوى الضعف وقلة الرز (4).

(1) في " تاريخ الاسلام ": " على دكان ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " نارت ".
(3) هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، نسب هنا إلى جده، وهو من أصحاب الإمام أحمد ، وكان أحد الصالحين الثقات. له ترجمة في " طبقات الحنابلة " ص: 276، و " تاريخ بغداد " 14 / 280.
(4) الرز، بكسر الراء وتشديد الزاي: غمز الحدث، وحركته في البطن للخروج، حتى يحتاج صاحبه إلى دخول الخلاء. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من وجد في بطنه رزا فليتوضأ " أخرجه أحمد 1 / 88 و 99 بسند فيه ابن لهيعة.
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»