سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٦٧
وإذا به قاعد في إزار، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر، وجماعة معهم، فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: ورد على أمير المؤمنين أن عندكم علويا ربصته لتبايع له، وتظهره، في كلام طويل. ثم قال (له) مظفر: ما تقول؟
قال: ما أعرف من هذا شيئا، وإني لارى له السمع والطاعة في عسري ويسري، ومنشطي ومكرهي، وأثرة علي، وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار، في كلام كثير. فقال مظفر: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلفك، قال: فأحلفه بالطلاق ثلاثا، أن ما عنده طلبة أمير المؤمنين. ثم فتشوا منزل أبي عبد الله والسرب والغرف والسطوح، وفتشوا تابوت الكتب، وفتشوا النساء والمنازل، فلم يروا شيئا، ولم يحسوا بشئ، ورد الله الذين كفروا بغيظهم، وكتب بذلك إلى المتوكل، فوقع منه موقعا حسنا، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه. وكان الذي دس عليه رجل من أهل البدع. ولم يمت حتى بين الله أمره للمسلمين، وهو ابن الثلجي (1).
فلما كان بعد أيام بينا نحن جلوس بباب الدار، إذا يعقوب أحد حجاب المتوكل قد جاء، فاستأذن على أبي عبد الله، فدخل، ودخل أبي وأنا، ومع بعض غلمانه بدرة (2) على بغل، ومعه كتاب المتوكل. فقرأه على أبي عبد الله: إنه صح عند أمير المؤمنين براءة ساحتك، وقد وجه إليك بهذا المال

(١) ابن الثلجي هو محمد بن شجاع الفقيه، أحد الاعلام، البغدادي الحنفي المعروف بابن الثلجي. كان فقيه العراق في وقته، والمقدم في الفقه والحديث، مع ورع وعبادة، مات سنة ٢٦٧ ه‍. من تآليفه: " تصحيح الآثار "، وكتاب " النوادر "، وكتاب " المضاربة "، وكتاب " الرد على المشبهة " وغيرها، وكتابه " الرد على المشبهة " ينفي عنه ما نعته به ابن عدي من أنه كان يضع الحديث في التشبيه، وينسبه إلى أهل الحديث. انظر " الفوائد البهية " ص: ١٧١، ١٧٢. وانظر ما علقه الامام زاهد الكوثري على " تبيين كذب المفتري " ص: ٢٦٩، ٢٧١.
ويستبعد أن يكون هو الذي دس على الإمام أحمد، فإنه موصوف بالورع والعبادة، فلعله غيره.
(2) البدرة: كيس فيه ألف، أو عشرة آلاف درهم، أو سبعة آلاف دينار.
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»