سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٧١
أعمارنا. كأنك بالامر قد نزل. فالله الله، فإن أولادنا إنما يريدون أن يأكلوا بنا، وإنما هي أيام قلائل، وإنما هذه فتنة. قال أبي: فقلت: أرجو أن يؤمنك الله مما تحذر. فقال: كيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم؟
لو تركتموها، لتركوكم. ماذا ننتظر؟ إنما هو الموت. فإما إلى جنة، وإما إلى نار. فطوبى لمن قدم على خير. قال: فقلت: أليس قد أمرت ما جاءك من هذا المال من غير إشراف نفس، ولا مسألة أن تأخذه؟ قال: قد أخذت مرة بلا إشراف نفس، فالثانية والثالثة؟ ألم تستشرف نفسك؟ قلت: أفلم يأخذ ابن عمر وابن عباس؟ فقال: ما هذا وذاك! وقال: لو أعلم أن هذا المال يؤخذ من وجهه، ولا يكون فيه ظلم ولا حيف لم أبال.
قال حنبل: ولما طالت علة أبي عبد الله، كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب، فيصف له الأدوية، فلا يتعالج. ويدخل ابن ماسويه، فقال: يا أمير المؤمنين ليست بأحمد علة، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة، فسكت المتوكل.
وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله، فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل، فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله، يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويدعو له ويسلم عليه، ويجعله في حجره. فامتنع، ثم أجاب رجاء أن يطلق، وينحدر إلى بغداد، فوجه إليه المتوكل خلعة، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز، فامتنع، وكانت عليه ميثرة نمور. فقدم إليه بغل لتاجر، فركبه، وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان، وعلى المجلس ستر رقيق.
فدخل أبو عبد الله على المعتز، ونظر إليه المتوكل وأمه. فلما رأته، قالت:
يا بني، الله الله في هذا الرجل، فليس هذا ممن يريد ما عندكم، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله، فائذن له ليذهب، فدخل أبو عبد الله على
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»