سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٧٨
لا تخرج، فأنتم كنتم آفتي، والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أخرجت واحدا منكم معي. لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة، وتفرش الفرش، وتجرى الاجراء (1)؟ فكتبت إليه أعلمه بما قال لي عبد الله، فكتب إلي بخطه: أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي حملني على الكتاب إليك الذي قلت لعبد الله، لا يأتيني منكم أحد رجاء أن ينقطع ذكري ويخمل (2). وإذا كنتم هاهنا، فشا ذكري، وكان يجتمع إليكم قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خير. فإن أقمت فلم يأتني أنت ولا أخوك، فهو رضائي، ولا تجعل في نفسك إلا خيرا، والسلام عليك.
قال: ولما سافرنا، رفعت المائدة والفرش، وكل ما أقيم لنا.
قال صالح: وبعث المتوكل إلى أبي بألف دينار ليقسمها، فجاءه علي ابن الجهم في جوف الليل، فأخبره بأنه يهيئ له حراقة، ثم جاء عبيد الله بألف دينار، فقال: إن أمير المؤمنين قد أذن لك، وأمر لك بهذه. فقال:
قد أعفاني أمير المؤمنين مما أكره، فردها. وقال: أنا رقيق على البرد، والظهر أرفق بي. فكتب له جواز، وكتب إلى محمد بن عبد الله في بره وتعاهده. فقدم علينا، ثم قال: يا صالح، قلت: لبيك. قال: أحب أن تدع هذا الرزق، فإنما تأخذونه بسببي فسكت، فقال: مالك؟ قلت: أكره أن أعطيك بلساني، وأخالف إلى غيره، وليس في القوم أكثر عيالا مني، ولا أعذر. وقد كنت أشكو إليك، وتقول: أمرك منعقد بأمري. ولعل الله أن يحل عني هذه العقدة، وقد كنت تدعو لي، فأرجو أن يكون الله قد استجاب لك. فقال: والله لا تفعل. فقلت: لا. فقال: لم؟ فعل الله بك وفعل!!

(1) حرفت في " تاريخ الاسلام " إلى " الامراء ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": و " يخمد "، بالدال المهملة.
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»