الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٧١
وغيرهم، وأرجو أنه لا بأس به، ولا يصحح روايته عنهم: أنه سمع منهم، ويقول البخاري: " في إسناده نظر ": أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا لأنه ضعيف عندهم، وأحاديثه مستقيمة مستغنية عن أن أذكر منها شيئا في هذا الموضع ".
فعجبت من ابن عدي كيف يقول: مراد البخاري أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، والنص صريح أمامه: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة...! ونظرت في " مقدمة الفتح " فرأيته أخذ هذا التفسير بالتسليم! ثم نظرت في " التهذيب " ترجمة أوس فأزاح الإشكال، قال: " وقول البخاري:
في إسناده نظر ويختلفون فيه: إنما قاله عقب حديث رواه له في " التاريخ " من رواية عمرو بن مالك النكري، والنكري ضعيف عنده "، ثم حكى كلام ابن عدي: لم يسمع من مثل ابن مسعود...
فتبين من هذا: أن معنى قول البخاري " في إسناده نظر ": في الإسناد الموصل إلى المترجم نظر، وهذا هو تماما معنى قول المصنف الذي قاله في ترجمة أويس القرني، وتقدم نقله.
وعلى كلام ابن عدي يكون المعنى: في الإسناد منه إلى من فوقه نظر، فينظر فيمن فوقه، هل هو ثقة أو ضعيف، أو: ينظر ما فوقه، هل متصل أو منقطع، فاختلت الحيثية - كما يقولون.
وبهذا تبين لي سبب إعراض المصنف عن نقل قول ابن عدي في ترجمة أوس، وتفسيره من عنده في ترجمة أويس. والله أعلم.
وعلى كل: فهذه الكلمة من البخاري ليس فيها جرح لذات الرجل، لما تقدم، ويؤكده: أنه قال في أبي خداش زياد بن الربيع اليحمدي (1685): " في إسناده نظر "، ومع ذلك فقد احتج به في " صحيحه ".
انظر " الكامل " 3: 1052، و " الميزان " 2 (2937).
بقي التنبيه إلى جزئية جانبية وردت في كلام ابن حجر المتقدم، وهي: أن عمرو بن مالك النكري ضعيف عند البخاري، ولم أر تصريحا بذلك، ولا تلميحا، لكن عجبت من ابن عدي وابن حجر نفسه.
فابن عدي ترجم للنكري 5: 1799 وصدر الترجمة بقوله: " منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث " (1)، وختمها بنحو ذلك. فكيف لا يعل به الخبر الذي أسنده البخاري من طريقه؟. وهذا عجب ثان من ابن عدي في هذه الترجمة الواحدة.
وابن حجر - والمزي من قبله - لم ينقلا كلام ابن عدي هذا في ترجمة النكري، بل اقتصرا على أنه مذكور في " ثقات " ابن حبان أنه قال 7: 228: " يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه ".
وكما أهمل المزي وابن حجر كلام ابن عدي هنا، أهمله الذهبي في " الميزان " 3 (6436)، بل لم يذكر فيه شيئا أبدا إلا أنه ثقة! فهو - في الغالب - اعتمد توثيق ابن حبان له.
وأخيرا: إن تفسير ابن عدي لقولة البخاري هذه يحتاج إلى تتبع ودراسة. فالذي يبدو لي أنه صحيح في بعض دون بعض، فلا بد من النظر في سياق قول البخاري - أي قول له - لنخلص إلى نتيجة صحيحة.
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»
الفهرست