قال لقي رجل يحيى بن أكثم وهو يومئذ على قضاء القضاة، فقال له: أصلح الله القاضي كم آكل؟ قال: فوق الجوع ودون الشبع.
قال: فكم أضحك؟ قال: حتى يسفر وجهك، ولا يعلوا صوتك.
قال فكم أبكي؟ قال: لا تمل البكاء من خشية الله. قال: فكم أخفي من عملي؟ قال: ما استطعت. قال: فكم أظهر منه؟ قال:
ما يقتدي بك البر الخير، ويؤمن عليك قول الناس، فقال الرجل:
سبحان الله، قول قاطن، وعمل ظاعن.
وقال محمد بن منصور الطوسي، عن يحيى بن سعيد اليمامي، قال يحيى بن أكثم: من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راياهم.
وقال النقاش أيضا، عن ثعلب: أخبرنا أبو العالية السامي.
مؤدب ولد المأمون، قال: قال المأمون ذات يوم ليحيى بن أكثم القاضي: أريد منك أن تسمي لي ثقلاء أهل عسكري وحاشيتي.
فقال له: يا أمير المؤمنين أعفني، فإني لست أذكر أحدا منهم، وهم لي على ما تعلم، فكيف إن جرى مثل هذا؟ قال له: فإن كنت لا تفعل فاضطجع حتى أفتل لك مخراقا وأضربك به، وأسمي مع كل ضربة رجلا، فإن كان ثقيلا تأوهت، وإن يكن غير ذلك.
سكت، فأكون أنا على معرفة منهم ويقين من ثقلائهم. فاضطجع له يحيى، وقال: ما رأيت قاضي قضاة، وأميرا، ووزيرا، يعمل به مثل ذا، فلف له مخراقا دبيقيا (1)، وضربه به ضربة وذكر رجلا ثقيلا.