تهذيب الكمال - المزي - ج ١ - الصفحة ٢١٦
أحد، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب، قلبها، وإذا تحدث ، اتصل بها، يضرب براحته اليمنى باطن راحته اليسرى، وإذا غضب، أعرض وأشاح، وإذا فرح، غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.
قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألت عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا.
قال الحسين: فسألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك.
وكان إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء الله، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثم جزء جزءه بينه وبين الناس ورد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئا. فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، يقول: ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة. ولا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا (1) ولا يفترقون إلا عن ذواق (2)، ويخرجون أدلة، يعني على الخير.

(١) قال ابن الأثير في " رود " من النهاية: " في حديث علي رضي الله عنه، في صفة الصحابة رضي الله عنهم " يدخلون روادا ويخرجون أدلة " أي يدخلون عليه طالبين العلم وملتمسين الحكم من عنده، ويخرجون أدلة هداة للناس. والرواد: " جمع رائد.. وأصل الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث: " ٢ / ٢٧٥.
(٢) قال ابن الأثير في " ذوق " من النهاية في شرح ذلك: " ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير ":
2 / 172.
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»