تهذيب الكمال - المزي - ج ١ - الصفحة ٢٢١
حزام بن هشام، عن أبيه هشام، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة خرج منها مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى لابي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة (1) جلدة تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها تمرا ولحما يشترونه منها، فلم يصيبوا عندها من ذلك شيئا، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال: هل بها من لبن؟
قالت: هي أجهد من ذلك. قال: أتأذنين أن أحلبها؟ قالت:
نعم، بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم حلب ثانيا بعد بدء حتى ملا الاناء ثم غادره عندها وبايعها، وارتحلوا عنها، فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تساوكن هزلا مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حيال ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.
قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج، أقرن. إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم، سما وعلاه البهاء، أجمل الناس، وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأحلاه من

(١) قال ابن الأثير في النهاية: " يقال: امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم، من البروز وهو الظهور والخروج ": 1 / 117.
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»