تهذيب الكمال - المزي - ج ١ - الصفحة ٢١٥
إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة (1)، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة.
معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن، وما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب (2) الراحة، شثن (3) الكفين والقدمين، سائل أو سائر الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدر من لقي بالسلام.
قال: قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام بأشداقه ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير، دمث ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا، تعدي الحق، لم يعرفه

(١) المسربة بضم الراء: ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف، كما في النهاية لابن الأثير، وانظر ما يأتي من الشرح بعد قليل.
(٢) الرحب: الواسع.
(٣) قال ابن الأثير في النهاية: " شئن: في صفته صلى الله عليه وسلم " شثن الكفين والقدمين " أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر. وقيل: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال، لأنه أشد لقبضهم، ويذم في النساء ":
2 / 444.
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»