شرح السير الكبير - السرخسي - ج ٢ - الصفحة ٤١٤
لأنه ليس بعضهم بأن يقتله أولى من البعض. ولو قتلهم جميعا كان متيقنا بقتل من لا يحل قتله. ولا طريق له إلى التحرز عما لا يحل إلا بالكف عن قتلهم جميعا. وهذا لان التحرز عن قتل الذمي فرض عليه، وقتل الحربي الأسير مباح له. ولا معارضة بين المباح والفرض. وفى الموضع الذي تتحقق المعارضة يترجح جانب الحرمة على الحل. فهنا أولى.
572 - فإن كان القوم قتل بعضهم، أو مات بعضهم، أو خرج بعضهم، فلم يحط العلم بأن الذمي فيهم فلا بأس بقتل الرجال كلهم.
لانهم وجدوا في موضع الحرب، والمانع من قتلهم كون الذمي فيهم.
وذلك غير متيقن به، فلا بأس بقتلهم بناء على أن الذمي كان هو الذي مات أو خرج منهم. وهذا لان الظاهر من حال كل واحد منهم أنه حربي مباح الدم. وإنما يبنى على الظاهر فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته، إلا أن يعارض الظاهر يقين بخلافه. ففي الفصل الأول عارض الظاهر يقين وهو العلم بكون الذمي فيهم، وفى هذا الفصل لم يعارض الظاهر يقين، فبنى الحكم عليه.
573 - فإن كان أكبر (1) ظن الامام أن الذمي فيهم وكلهم يقول:
أنا الذمي، فالمستحب له أن لا يقتل أحدا منهم.
لان أكبر (1) الرأي، وإن كان لا يعارض الظاهر، لكن يثبت به استحباب الاحتياط. ألا ترى أن من وجد ماء وغلب على رأيه أنه نجس ولكن لم يخبره أحد بنجاسته فالمستحب له أن يتوضأ بغيره، وإن توضأ به أجراه. فهاهنا أيضا المستحب أن لا يقتل أحدا منهم.
574 - وإن كان لو قتلهم، جاز. باعتبار الظاهر. والأصل فيه قوله

(1) ل " أكثر ".
(٤١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 ... » »»