شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٣٢٦
والثاني: أنهم قصدوا بهذا استبقاء أهليهم، وبقاؤهم بمن يعولهم وينفق عليهم، وذلك أنفسهم. قلنا: نعم هم قصدوا هذا، ولكن حرموا هذا المقصود حين خذلهم الله فلم يذكروا أنفسهم بشئ، ليقضى الله أمرا كان مفعولا.
ثم بمجرد القصد لا يثبت لهم الأمان، بل بإعطاء المسلمين إياهم الأمان.
وإنما أعطوا أهليهم فقالوا: أمناهم ولم يقولوا أمناكم.
وقد حكى أن مثل هذه الحادثة وقع في زمن معاوية. وكان الذي يسعى في طلب الأمان للجماعة قد آذى المسلمين. فقال معاوية رضي الله عنه: اللهم أغفله عن نفسه. فطلب الأمان لقومه وأهله ولم يذكر نفسه بشئ. فأخذ وقتل.
ثم الانسان في مثل هذه الحالة قد يسعى في استنقاذ أهله من غير أن يقصد نفسه بذلك، إما لانقطاع طمعه بأنه لا يؤمن إن طلب ذلك لنفسه، أو لأنه مل من نفسه لفرط الضجر. فباعتبار المقصود الدليل مشترك، وباعتبار اللفظ لا ذكر له.
ألا ترى أنهم لو قالوا: نضع أيدينا في أيديكم على أن يؤمنوا أبناءنا ونساءنا. ففعل المسلمون ذلك، لم ندخلهم في الأمان. فان معنى كلامهم:
أن نضع أيدينا في أيديكم لتفعلوا بنا ما شئتم فكذلك ما سبق.
فان قالوا: لم نخرج إليكم على أن نراوضكم (1) في الأمان على أهلينا.
فقالوا لهم: اخرجوا. فلما خرجوا أمنوا أهليهم. فلا سبيل للمسلمين عليهم، لا باعتبار أنهم أمنوا أهليهم بل باعتبار أنهم حين أمروهم أن يخرجوا للمرواضة.
على الأمان، فهذا أمان منهم لهم.
ألا ترى أنه لو لم يتهيأ بينهم أمان في شئ كان عليهم أن يردوهم إلى مأمنهم ولا يتعرضوا لهم بشئ بخلاف الأول. فهناك قالوا وهم في المطمورة:
أمنوا أهلينا. فأمنا أهليهم ولم يتناولهم ذلك الكلام، ثم خرجوا لا على طلب الأمان فكانوا فيئا.

(1) ه‍ " نراضيكم ". وفى هامش ق " وفلان يراوض فلانا على أمر كذا، أي يداريه ليدخله فيه. مختار. "
(٣٢٦)
مفاتيح البحث: القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 ... » »»