واضطر آخر إلى الالتزام بما يشبه هذه المقالة من دعوى أن الشارع تمم كشف الامارة الناقص وجعله علما كما هو مقتضى بعض الأدلة من قبيل (...
من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا..) إذ انه (عليه السلام) جعل الناظر في حلالهم عارفا بالاحكام ولو لم تثمر سوى الظن.
وذهب آخر إلى تبرير ذلك بما أسماه بالمصلحة السلوكية الناشئة من السير على طبق الامارة والعمل بمقتضاه رغم عدم افادتها سوى الظن.
وكل ذلك نشأ من أصل الايمان بالتعبد والجعل في الطرق. وهذه الدعوى مرجعها بالحقيقة إلى دعوى جعل غير الواقع والناقص تكوينا كاملا وإسناد ذلك إلى الشارع بينما لا أصل ولا فرع لهذه الدعوى بل إن كل ما ورد عندنا مما ظاهره ذلك هو عبارة عن نوع إرشاد إلى جملة أمور واقعية ارتكازية ومناطات عقلائية ثابتة جرى على طبقها بني النوع قديما وحديثا وبغض النظر عن أي تعبد أو جعل.
فالجري على طبق الطرق لا لجعل حجية لها في البين بل لكونها طرقا حقا وموصلة للواقع بنحو من الوصول المعتبر.
فحال القائلين بالتعبد المذكور حال القائل (أتعبدك بوجود الشمس) والحال إنها موجودة.
ان قلت - ان إفادة الخبر للظن ليست من جهة احتمال الكذب لينقض بأنه فرع عدم إحراز الوثاقة بل من جهة طرو السهو والنسيان عليه مما يجعل خبره لا يفيد أكثر من الظن.
قلنا - انه تارة يراد من ظنية خبر المخبر ان قيمة التصديق عندنا من اخبار الثقات هي الظن وتارة يراد منها اقتران الخبر دائما بما قد يمنع من انكشاف الواقع من سهو وغيره فلا يثمر معه سوى الظن.