ولم تحدث هذه الموسوعة الرجالية الجبارة هزة فكرية في أروقة العلم فحسب، بل جلت عن صفحات هذا الفن ما ران عليها من صدأ كثيف ظل يتآكله عبر السنين، فبدأ - من جديد - يلوح طريقه إلى النمو والازدهار.
ولم يكن الباعث على إعداد هذه الموسوعة الرجالية إلا الفراغ الذي أدركه الامام المؤلف في المناهج والحقول التي تتدارسها الحوزة العلمية، وما استحوذ - أيضا - على هذا الفن من جمود وضياع. على أنه إحدى مقومات الاجتهاد ومعداته الرئيسة.
وقد مضى الدارسون للشريعة الاسلامية - في الأعم الأغلب - يقتصرون على مذاهبهم وآرائهم الرجالية التي يأخذون بها في حدود حاجتهم إلى استنباط حكم شرعي، أو دراسة فقهية، من دون ان يمارسوا هذا العلم في خط يمتد مع الفقه وأصول الفقه في كل ما مرا به من مراحل التطور والتكييف والملاءمة. وكان مرد ذلك إلى صعوبة الإحاطة بخطوط هذا الفن وخيوطه، واستيعاب جزئياته وفروعه، ثم اتباع الرأي والاجتهاد فيها ثم الجهد في جمعها وتدوينها بشكل متماسك ورصين.
ولم يقتصر جهد الامام المؤلف على تهذيب هذا العلم وتشذيبه فحسب. بل استطاع ان يفجر ينابيع العلم، ويبني صروحها وقواعدها على الاجتهاد الحر، والرأي الراجح، والتمحيص الدقيق.
فقد هذب علم الأصول، وحرر قواعده في سلسلة من التقريرات التي دونها تلامذته المجتهدون.
كما عالج - بهذا الطابع الأصيل - مختلف الموضوعات الفقهية التي لا تزال تتدفق في سلسلة بحوث وتقريرات متصلة الحلقات إلى آخر أبواب الفقه وأحكامه.
وعلى هذا النهج المتحرر وضع في تفسير القرآن مدخلا نموذجيا اخذ فيه - على خلاف المفسرين - بمبدأ تفسير القرآن بالقرآن، واستكناه معارفه، واستجلاء معانيه، والاهتداء إلى كنوزه واسراره العلمية التي انطلقت فيها حضارة الانسان ورقيه، وهو مبدأ تجلى فيه استغناء القرآن عن كل نوع من أنواع المعرفة