في دين الاسلام لاقتضاء العلم الاجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة، فلولا انهم في وجوب الاقصاء على السواء لاستحال عليه - وهو سيد الحكماء - عدم البيان في مثل هذا المقام.
فان قلت: لعله بين هذا الاجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدة.
(قلنا): لو كان ثمة قرينة ما كان كل من هؤلاء في الرجال من هذا الانذار على السواء (1).
على انك قد عرفت مما سبق انه لافرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما بالنسبة إلينا إذ لا مندوحة لنا عن العمل بما يقتضيه العلم الاجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة على كلا الفرضين كما بيناه آنفا.
(فان قلت): انما كان المنصوص عليه بالنار مجملا قبل موت الأول والثاني منهم وبسبقهما إلى الموت تبين وتعين انه انما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه، وحينئذ لا اجمال ولا اشكال.
(قلنا): أولا علمت مما ذكرناه آنفا ان الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، وعلمت أيضا ان وقت الحاجة هنا متصل بصدور هذا الانذار لو كان لاحد الثلاثة شئ من الاعتبار، لأنهم منذ أسلموا كانوا محل ابتلاء المسلمين في الحقوق المدنية الدينية كما بيناه آنفا فلولا وجوب اقصائهم عنها لما أخر البيان انكالا على صروف الزمان، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله ان يقصي أحدا عن حقه طرفة عين، ومعاذ الله ان يخزى من لا يستحق الخزي ثم يبقيه على خزيه حتى يموت مخزيا إذ لا تعرف براءته - بناء على هذا الفرض الفاسد - إلا بموته.