فالعهدة فيها عليه. إذ قال (1): قدمت المدينة ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات، وأدور معه في بيوت نسائه! (2) وأخدمه وأغزو معه وأحج؟ (3) وكنت أعلم الناس بحديثه؟ وقد والله سبقني قوم بصحبته فكانوا يعرفون لزومي له فيسألونني عنه حديثه: منهم عمر: وعثمان: وعلي: وطلحة: والبير: إلى آخر كلامه، (قلت): لعل أولى الألباب يعجبون من جرأة أبي هريرة على التحديث بمثل هذا، لمخالفته الواقع، وبعده عن الصدق، لكن من عرف الحقيقة علم أنه ما كان ليحدث به على عهد الشيوخ والعلماء والعظماء منهم، وانما اجترأ على التحديث به وبأمثاله بعد الموت أكثر الصحابة وفتح الشام والعراق ومصر وإفريقيا وفارس وغيرها من الأمصار، حيث قلت الصحابة وكثر مسلموا الفتوحات الذين لا إلمام لهم بشئ مما كان على عهد النبوة فكأنه حينئذ وسائر الكذابة وجدوا أنفسهم في عالم آخر لا يعرف شيئا مما كان في الصدر الأول، ورأوا عالمهم الجديد يصدقهم ويتعبد بما سمعه منهم لكونهم في نظره من البقية الباقية من أصحاب رسول الله الامناء على سننه والموكول إليهم تبليغا، وكانت السلطة الأموية بذلت في تأييدهم جهدها فتسنى لهم بهذه الأسباب كلها ان يحدثوا بما حدثوا به من الواهيات والمنكرات، وبما لا يجوز شرعا، وبما لا يمكن عقلا، وبكل سخافة وبكل باطل حسبما اقتضته أغراضهم أو أوجبتهم دعاية الظالمين الذين اتخذوا دين الله
(٢٠٤)