أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٣
العرب تقول في المدح: كف أحدهم تمرطر ذهبا، وقلب أحدهم يفيض حنانا، وفي الذم: وجه أحدهم عنوان الوقاحة، وقلب أحدهم أنسى من الصلد، فلا ترتد واحدا منهم بعينه وانما تريد الجميع، وهذا هو المراد في الحديث وهو المتبادر منه إلى الأذهان.
ولو أراد صلى الله عليه وآله واحدا منهم بعينه لا بأنه بقرينة تعينه. فان تأخير البيان في مثل هذا المقام مما لا يجوز على الأنبياء لقبحه عقلا بسبب استلزامه ظلم البريئين منهم، لأنه متى علم أن أحدهم من أهل النار وانه غدار، ولم يعرف بعينه تفصيلا سقط الثلاثة عن درجة الاعتبار، إذ لا يركن بعدها إليهم، ولا يعتمد عليهم، ولا يؤبه بما يقولون في أصول أو فروع ولا يحتج بحديثهم، ولا تقبل لهم شهادة في مرافعة أو غيرها، ولا يولون أمرا من أمور المسلمين، ولا يوكل إليهم شأن تشترط الوثاقة فيمن يوكل إليه، فيحرمون بأجمعهم بحديثهم من الحقوق المدنية في الاسلام، ويجب على الأمة اجتنابهم في كل شئ تشترط فيه العدالة نزولا على حكم القاعدة العقلية في الشبهة المحصورة مع العلم الاجمالي كما هو مقرر في محله من الأصول.
وحسبك بهذا سقوطا لكل من الثلاثة على السواء.
وإذا كان أحدهم بعينه هو الجهنمي الغادر المستوجب للحرمان فما ذنب الآخرين؟ أيجوز على سيد الحكماء، وخاتم الأنبياء أن يسقط برئين فنجعلهما طيلة حياتهما بحكم الغدار من أهل النار؟ ثم يلقى الله تعالى عن غير بيان حاشا لله وما الذي منعه ان يقول مشيرا إليه نفسه: لضرس هذا في النار أعظم من أحد لو لم يكونوا جميعا في الامر على السواء.
(فان قلت). لعله صلى الله عليه وآله عين الرحال حينئذ بقرينة لفظية أو حالية كالايماء إليه بالخصوص مثلا ثم خفيت علينا.
(قلنا): لو كان ثمة قرينة ما خفيت على أبي هريرة وفرات، وقد
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»