أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٢١٤
استفرغا الوسع فلم يتشبثا بشئ سوى ردة الرحال وحينئذ سجدا لله شكرا وكانا بعد ذلك يقولان: فما أمنا بعد قول النبي صلى الله عليه وآله ما قال حتى صنع الرحال ما صنع (1).
على أنه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان وخفائه بعد صدوره لاتحاد النتيجة فيهما، إذ لا مندوحة لنا - على كلا الفرضين - عن العمل بما يقتضيه العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة كما لا يخفى.
(فان قلت): إنما كان المنصوص عليه بهذا الذم مجملا قبل التحاق الرحال بمسيلمة وموته مرتدا وبمجرد صنعه ما صنع تعين أنه هو المراد دون صاحبه، وحينئذ لا اجمال ولا اشكال.
(قلنا): أولا ان المتبادر من قوله صلى الله عليه وآله: لضرس أحدكم في النار انما هو الجميع على حد المتبادر من قوله تعالى " وإذا بشر أحدهم بالأنثى " واذن فلا اجمال في المنصوص عليه بالذم هنا ولا أثر لردة الرحال للعلم بسوء حاله وحال صاحبيه منذ باؤوا بالضرس والقفا.
(وثانيا): ان الأنبياء عليهم السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة، ولعلك تعلم أن وقت الحاجة هنا متصل بصدور هذه الكلمة في حقهم من رسول الله (ص) (لو كان لأحدهم شئ من الاعتبار) لأنهم منذ أسلموا كانوا محل الابتلاء في حديثهم وشهاداتهم والائتمام بهم، والوصاية إليهم، والتولية لهم، وما إلى ذلك من حقوق المدنية (في الدين) فلولا وجوب اقصائهم عنها لما ترك صلى الله عليه وآله البيان حتى لحق بالرفيق الاعلى، وما كان ليتكل في ذلك على ما صنع الرحال من الردة بعد وفاته.
(وثالثا): ان الفرات بن حيان كان جاسوسا للمشركين، وعينا لأبي

(1) سجودهما حينئذ لله كشرا وقولهما فما أمنا ثابتان عنهما، ومذكوران في ترجمة فرات من الاستيعاب والإصابة وغيرهما.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»