أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٣
وهذا لو كان حقا لرواه كل واحد من ذلك الجيش المؤلف من أربعة آلاف صحابي فكان في طليعة الأحاديث المتواترة فما باله لا يسند إلا إلى أبي هريرة يا أولي الألباب؟.
(ثانيهما): حديث المزود إذ قال: أصبت بثلاث مصيبات في الاسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وآله وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فقال:
يا أبا هريرة أمعك شئ؟ قال قلت تمر في مزود، قال جئ به، فأخرجت تمرا فأتيته به، قال: فمسه ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم كذلك حتى اكل الجيش كله وبقى من تمر معي في المزود فقال: يا أبا هريرة إذا أردت ان تأخذ منه شيئا فادخل يدك فيه ولا تكفه قال: فأكلت منه حياة النبي وأكلت منه حياة أبي بكر كلها وأكلت منه حياة عمر كلها وأكلت منها حياة عثمان كلها؟؟ فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق!!.
(قلت): لا ريب في أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يطعم الجم الغفير من الزاد اليسير في كثير من أيامه المباركة، وذلك من اعلام نبوته وآيات رسالته، لكن هذا الحديث بالخصوص مما صنعته يدا أبي هريرة مدلا على السواد من أحزاب بني أمية والغوغاء من أشياعهم العاكفين على قميص عثمان وأصابع زوجته بالبكاء والعويل ليستنهض معروفهم، ويجتدي برهم، وهذا من أساليبه المدهشة في تزلفه إلى بني أمية وامتياح فضلهم.
ومما يدلك على وضعه ان أبا هريرة كان يتلون فيه تلون الحرباء ويتطور في نقله على أنحاء كما يعلمه متتبعو طرق المزود في مسانيد السنة وكتبها (1).

(١) حديث المزود وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل من طريقين، وأبو بكر البيهقي من طريقين آخرين، وأخرجه غيرهما من طرق اخر فليراجعها من أراد الوقوف على ما فيها من التهافت والتناقض الحاكمين بسقوطها، وقد أورد ابن كثير جملة منها في ص ١١٦ من الجزء السادس من البداية والنهاية.
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»