فلما حضر بين يديه - وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة - قال له:
كيف قدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا وبما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت عنه؟.
فقال والدي رحمه الله: إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال في خطبة: " الزوراء وما أدراك مالزوراء، أرض ذات أتل، يشيد فيها البنيان، وتكثر فيها السكان، ويكون فيها محاذم وخزان، يتخذها ولد العباس موطنا، ولزخرفهم مسكنا، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر والخوف المخيف، والأئمة الفجرة والامراء الفسقة والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه. [يكتفي] الرجال منهم بالرجال، والنساء منهم بالنساء، فعند ذلك الغم العميم، والبكاء الطويل، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، وهم قوم صغار الحدق، وجوههم كالمجان المطوقة، لباسهم الحديد، هرد مرد، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم، جهوري الصوت، قوي الصولة، علي الهمة، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع عليه راية إلا نكسها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر ".
فلما وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم رجوناك فقصدناك. فطيب قلوبهم، وكتب لهم فرمانا باسم والدي رحمه الله يطيب قلوب أهل الحلة وأعمالها (1).
ولم يكن عمل هذا الشيخ الجليل مساومة للفاتح المعتدي، ولا مساعدة على تسليط الكافر على المؤمن، بل لما شاهده من الخليفة العباسي آنذاك من انهماكه في لهوه ولعبه، وعدم تفكيره في مصير الأمة الاسلامية. ومن عدم وجود