الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١١٣
وليت شعري أعجز النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يأمر بقتل الكلاب، كما فعل إذ أمره الله تعالى، حتى يحلق هذا التحليق السخيف؟ الذي يشبه عقول المعللين لأمره بغسل الاناء من ولوغها سبعا؟.
أما من كان لهم عقل يعلمون به أنه أن من عصى أمره بألا تتخذ الكلاب، وأن من اتخذ كلبا لم يبح له اتخاذه نقص من عمله كل يوم قيراطان، فهو لامره بغسل الاناء سبعا، أعصى وأترك؟ تعالى الله عن هذا، وتنزه نبيه صلى الله عليه وسلم عن هذا الوصف الساقط، والصحابة رضي الله عنهم أطوع وأجل لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم من أن تكون هذه صفتهم، أو تراه صلى الله عليه وسلم عجز عن أن يأمر أصحابه بالصدقة كما صرح لهم بذلك غير مرة حتى يأمر بركوع لا يجوز؟.
أترى الصحابة لم يعقلوا أن العمرة في أشهر الحج جائزة، وقد اعتمد بهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في أشهر الحج عمرتين متصلتين بعد ثالثة لم تتم، عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، بعدها، وعمرته من الجعرانة بعد فتح مكة، كلهن في أشهر الحج قبل حجة الوداع: أما اكتفوا بهذا وبأمره صلى الله عليه وسلم لهم في حجة الوداع:
فمن شاء منكم أن يهل بعمرة فليفعل فأهل بالعمرة نساؤه وكثير من أصحابه أما يكفي هذا من البيان بأن العمرة في أشهر الحج جائزة؟ حتى يحتاج إلى أمرهم بما لا يحل؟ بزعم من لا زعم له من فسخ الحج.
أما لمن نسب هذا إلى الصحابة رضي الله عنهم عقل أو حس يردعه عن هذا السخف والجنون؟.
إن من ظن هذا بهم لفي الغاية القصوى من الاستخفاف بأقدارهم، أو في غاية الشبه بالأنعام، بل هو أضل سبيلا.
وتراه صلى الله عليه وسلم لو لم يكن يريد إحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة في الجماعة حقا؟ أما كان يكتفى بأن يأمر بهجرهم، كما فعل بالمتخلفين عن تبوك؟ أو بطردهم، كما طرد الحكم وهيتا المخنث، أو بأدبهم كما أدب في الخمر قبل استقرار الحد فيها بالأربعين؟ حتى يتعد إلى الكذب والاخبار بما لا يحل؟ اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول الفاحش المهلك.
حدثنا حمام بن أحمد، ثنا ابن مفرج، ثنا ابن الأعرابي، ثنا الدبري، ثنا عبد الرزاق،
(١١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1108 1109 1110 1111 1112 1113 1114 1115 1116 1117 1118 ... » »»
الفهرست